بين الشط والجبل .. حين التقيته

الوحدة 10-12-2020

 

طالعاً من رأد الصباح, ألمّ باقات ضوء أموسقها حداءً يجوب المدى, نفضت عن عيني صدأ الكرى وأطلقتهما تبحران في حدائق مبثوثة على حوافي الذاكرة التي أرجعتني طفلاً يخوّض في وحل قريته, ويتدثر بشمسها المطّلة من بين غيمتين متراكضتين.

×××

 غالبت أشواقي, رغبت في أن أفرش أضلاع ذاكرتي, وأسمح لها أن تعرض صوراً لأحبّة عايشتهم شبابي, ثم مضوا يجوبون الحياة حلوها ومرّها, وكنت أراهم وقد عبروا تخوم الريح والمطر.

×××

أمس, خابرني واحد منهم, أخبرني أنه عاد لتوه من بلاد المهجر وأنه مشتاق لرؤيتي, فارتعشت جدائل قلبي, وكنت أرى كيف بدأت الرؤى تستحم على قامات الرغائب التي راحت تلقي بترحيبها على السهوب المخضرة.

×××

 حين التقيته، كان حديث عن الأمس البعيد, وعن ذكريات الطفولة والشباب، ثم أفرد لسانه للحديث وقال: إن القانون الأساسي للسلوك الأخلاقي هو مساعدة الآخرين, وإذا تعذّر عليك ذلك فعلى الأقل لا تحاول إيذاءهم، ثم تابع: لنفترض أنك بلغت ما بلغت من مكانتك وحققت ما سعيت لأجله فإن على سلوكك أن يتناسب والسلوك البشري لأننا بشر والبشري لا يفهم إلاّ عن بشري، فتواضع ما استطعت إلى ذلك سبيلاً, وأنت القادر على ذلك.

×××

كنت منصتاً بكل جوارحي لكل حرف قاله، افترّت شفتاي عن ابتسامة, وأحسست بسعادة غير معهودة وقلت له: ذكرتني بكلام للأديب ميخائيل نعيمة, يقول: ( قبل أن تقفز إلى السماء تعلّم كيف تمشي على الأرض).

 فأجاب ( صدق ميخائيل نعيمة لكني أحب أن أذكر لا بما قاله القرآن الكريم: (ولا تمشي في الأرض مرحاً, إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا).

×××

مرّ الوقت سريعاً، ولكم وددناه لو كان أبطأ، وغادرني على أمل لقاء قادم.

 سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار