الوحدة 18-11-2020
يتنازع معظم البشر عادة لأجل مناطق النفوذ والنقود والخيرات والثروات، مستخدمين شتى أشكال السيطرة والعروض لتقرير من يحصل على كم معين من ماذا ومتى يحصل عليه، كما أن استخدام العنف أو التهديد باستخدامه يمكنه حفظ توزيع الغنى بالمصادر، ولا يمكنه إيجاد مصادر جديدة، وقد بينت مدنية الحياة أن أفضل وسيلة لتوزيع هذه المصادر هي المفاوضات، والتي تُعد الطريقة التي يُلاحق فيها المرء كل ما يريد الحصول عليه ممن يريد شيئاً مقابله منه، وهي أيضاً طريقة لفض النزاع بين أكثر من طرف للوصول إلى حل وسط مقبول بين الجميع.
المفاوضات هي المرادف الحقيقي للتجارة ولتبادل الأشياء التي بيد الإنسان ويريدها الآخرون بأشياء لديهم على مبدأ (أعطني ما أريد.. لأعطيك ما تريد)، والمفاوضات هي صفقة لا يمكن أن تتكرر وهي أيضاً حلم لكثير من الناس حيث يُلاحظ أن لدى البعض فرصة إمكانية الحصول على نتائج أفضل من الآخرين حينما تكون هناك صفقة مثلاً على مدى نظر الجميع وفي الواقع فإنه لا يوجد رد سحري على ذلك ولكن يمكن تحديد نقطة حساسة تتمثل في هوية المهارات الأساسية في عملية المفاوضات والمناورات التكتيكية والتي فعلاً تُساعد على تحقيق جملة مكاسب أكبر ونتائج مُرضية وأفضل.
تشترط طرق المفاوضات بأن يكون للمفاوض نظرة داخلية دقيقة على مسيرة المفاوضات ولكن هذا بحد ذاته لا يكفي ولذا يجب اعتماداً على طريقة مفاوضة الجانب الآخر اختيار أدق معايير الاتفاق كمثال لأن هذا يساعد كثيراً في سير مجرى المفاوضات وإذا لم يتفق الأفرقاء على المعايير المناسبة كونها في النهاية ستتحكم في طبيعة الاتفاق فيعود جميع المتفاوضون إلى نقطة البداية لتقود بوجه عام وفي ظروف محددة إعادة تحسين مكونات طاولة المفاوضة وآلياتها، ومن البديهي حقاً الإحاطة بأبرز خطوات النجاح في محور عنوان التفاوض المتمثلة في:
خلق الجو الملائم، تحديد الأهداف، الكلام والاستماع، التقدم بالاقتراحات، التلخيص، تقييم أوجه القوة والضعف.
تُعتبر تصرفات المرء تجاه المفاوضات حاسمة جداً لأن باستطاعتها وضع فوارق هامة بالنسبة لرؤية وتصور الوضع قبل الحل وصولاً إلى النتيجة المراد تحقيقها وفي واقع الحال فهناك مئات المفاوضات اليومية تصل إلى حائط مسدود نتيجة عدم التحضير الذاتي والإعداد الملائم للقاء التفاوض إضافة إلى التغافل عن معرفة رسم طريقة خلق أجواء المفاوضات المثالية والناجحة، وعموماً فليست كل النزاعات يمكن حلها بالمفاوضات فهناك بدائل قد تشمل الاتفاق على عدم الاتفاق إضافة إلى بعض العناوين العريضة المتمثلة في:
– الإقناع: هو أول ما يُمارس حين يريد أحدهم شيئاً ولكنه أحياناً لا ينجح حينما يكون هناك تباين كبير في المصالح.
– الاستسلام: يُعد خياراً مفروضاً عندما تكون الفوارق كبيرة مما يستدعي التسليم بما يريده الطرف الآخر.
– الإكراه: تُعتبر هذه النقطة مُخاطرة في العلاقات البعيدة المدى وتُثير العداء وتُأجج النفوس.
– حل المشاكل: تكون هذه النقطة ممكنة عندما يتشارك الجميع في زرع غرسة الثقة في القلوب وتتوفر الرغبة في استخدام آليات حل المشاكل.
– التحكيم: هو الخيار الأمثل عندما لا يتمكن المفاوضون من الوصول إلى اتفاق حاسم و قد لا يكون شائعاً كثيراً كونه يُقلص من مدى قوة المفاوض.
من الضروري تسليط الضوء على مفهوم المفاوضات المكتملة والذي يُعتبر تعريفاً بالعمل المكتمل الذي من خلاله سيفهم المفاوض ويرعى المهارات العملية لإجراء مفاوضات ناجحة من خلال مراحل أساسية تمر بها المفاوضات قبل الوصول إلى اتفاق ويمكن سردها فيما يلي:
– التحضير الجيد وتحديد الأولويات المطلوبة حسب قيمتها وأهميتها.
– النقاش الحذر مع الحديث عبر الإفصاح عن المطلوب دون التطرق للشروط مع طرح أسئلة مفتوحة والإصغاء إلى الدلائل المشيرة إلى الرغبة في حركة المفاوضات.
– ماهية الصفقة وعلى ماذا يمكن المقايضة التوافقية مع حلول محددة.
وعموماً فكل المفاوضات لها بنية مشتركة وغالباً ما تكون مشوشة وتشمل الكثير من خطوط التحويل نحو المسار الرئيسي وربما لا تتحرك إلى الأمام دوماً بصورة منتظمة من ألف التحضير إلى ياء الاتفاق مع ضرورة القبول خلال جولات المفاوضات بالتقدم إلى الأمام والتراجع ما بين المراحل مع محاولة تطبيق خطوة قبل أخرى بطريقة تكتيكية، ويمكن القول هنا بأن كل أنواع المفاوضات تشمل مزيجاً مختلفاً وفريداً من نمط المراحل وتأثير الخطوات وفاعلية التقنيات.
النقاش هو الأسلوب المشترك الأكثر تفاعلاً بين المفاوضين وهو يستغرق ما نسبته ٨٠٪ من وقت المفاوضات وهذا ما يجعله العنصر الأساسي في عملية التحسين الذاتي، ولعل براعة النقاش هي كلمة السر في إمكانية تخفيف السرعة أو التوقف التام أو الإعاقة أو حتى تقديم تسوية ما في فضاء التفاوض، كما أن تقدم المرء في النقاش سيؤثر على مسار ونتيجة المفاوضات و لعل فرصة السيطرة على النقاش تُحسن عمل المفاوض بشكل بارز وتُعد دفعة عمل قوية لصالح أهداف الشخص المفاوض، ويُوفر النقاش فرصة حاسمة للحصول على معلومات إضافية حول هدف الطرف الآخر من المفاوضة وتخمين مدى التزامه وماهية نواياه واهتمامه وهكذا يُعطي النقاش فرصة لاختبار مدى الصراحة والصدق الأساسي والتخمينات والعلم المسبق بخطط الجانب الآخر، ومما لا شك فيه بأن للنقاش عاقبتين على الأرجح فإما التسليم بالمنافع المشتركة في الوصول إلى توافق أو أن يُظهر النقاش عدم رغبة التسوية وصعوبة إمكانيتها.
د. بشار عيسى