الوحدة : 22-10-2020
كان المواطن السوري يتندر على فكرة زيادة الرواتب، ويعرف سلفاً أنها ستصرف في جيوب التجار، فالمسألة يقينية ومتطابقة تماماً مع الواقع، لدرجة أن كثيرين توسلوا الحكومات السابقة بألا تقدم على خطوة الزيادة لأننا لن نستفيد منها، وستنعكس وبالاً على جيوبنا المهترئة.
شعرت الحكومات المتعاقبة بهذا الأمر، ووضعت يدها على (جرح المواطن)، ومن شدة اهتمامها قررت تغيير النهج، وإضفاء حالة من كسر الروتين، فأصبحت تصرف الزيادة قبل إقرارها، وتدخل المواطن إلى الجو (بسلاسة)، فيرتفع كل شيء ثلاثة أضعاف قبل أن نشتم رائحة الزيادة، والأنكى من ذلك، أن المواطن بات ينتظر أشهراً وأسابيع حتى تستوفي وزارة المالية الزيادة المرتقبة من جيبه، وربما ينتظر سراباً.
لن نحاكم وزير النفط على تصريحه الرومانسي، فقد بدا في موقف لا يحسد عليه بعدما حلف (يميناً معظماً)، بأن أسعار المشتقات النفطية لن ترتفع، ولن نبدي سخطنا على تأييد وزير (حماية) المستهلك لفكرة تحرير أسعار المشتقات النفطية، فالرجل أيد فكرته التي يعتقد أنها صحيحة وتخدم نظريته الاقتصادية، بل علينا أن نطالب بأشياء أخرى، كتغيير اسم وزارة الحماية مثلاً، على اعتبار أنها هي من تقترح وتؤيد قرارات المس بتفاصيل معيشتنا، وهي من تفشل يوماً بعد يوم في حمايتنا من تاجر جشع، ومهرب معروف الهوية، فتقمعنا بقرارات قاتلة لا تتناسب مع وضع الموت السريري الذي نعيشه.
إن أسهل طريقة لتعويض النقص في أي مكان هو فرض الضرائب، وسحب الدعم عن بعض المواد، فلو سلمنا الأمر لشخص أمي، لتصرف بنفس الطريقة كون المسألة لا تحتاج إلى فكر وتعليم، بل هي جرة قلم خضراء، تحول الأخضر إلى يابس بلمح البصر.
تصريحات استفزازية..
ثلاثة تصريحات استفزازية ترافق أي زيادة في الأسعار، أولها:
إن الحكومة تتحمل أعباء كبيرة في تأمين المواد، وهي مضطرة لرفع أسعارها.
التصريح الثاني:
رغم رفع الأسعار، بقيت المواد مدعومة، ولا مبرر للتاجر كي يرفع أسعار منتجاته.
التصريح الثالث (الجديد):
بعد اطلاعنا على السوق، وجدنا أن الناس تشتري المواد بأسعار أعلى بكثير من الزيادة المضافة على السعر الرسمي.
بدورنا، سنجيب على هذه التصريحات غير المسؤولة بلساننا كمواطنين نعاني من تداعيات القرارات الجهنمية:
– تتحمل الدولة أعباء كبيرة في ظل الحصار، وهو أمر نعرفه جيداً ونقدره، ولكننا نتساءل إن كانت الحكومة قد لحظت أن المواطن يحتاج إلى مئات الألوف كي يعيش مع أبنائه، في حين لا يتجاوز راتبة الخمسين ألف ليرة، فكيف لمواطن أن يتدبر أمره في وقت تعجز فيه الحكومة عن تغطية النفقات إلا من خلال تحميلها لراتب ذلك المسكين؟، هاتوا أتحفونا بجواب!.
– يقولون: إن المواد بقيت مدعومة رغم رفع سعرها، فهل يستطيعون إقناع المنتج والتاجر بأن يبقي على أسعاره كما هي؟، أم أن عجزهم عن إلزامه بأي قرار قبل الزيادة، سينسحب على الواقع بعدها؟، بالطبع تعرفون الجواب ونعرفه مثلكم.
– يفترض صاحب القرار أن من اشترى المشتقات النفطية بسعر السوق السوداء، قادر على شرائها بالسعر الجديد، وهنا الطامة الكبرى، وهذا ما نسميه عذر أقبح من ذنب.
لقد اشترينا هذه المشتقات من السوق السوداء رغماً عن أنوفنا، لا عن طيب خاطر وسماحة نفس، وعندما دفعنا تلك الليرات، كنا نعض على الجرح، ونمني النفس بأن تكون المسألة لمرة واحدة عسى أن تنفرج الأزمة، ونعود إلى سابق عهدنا، ولم نتوقع أن تقيسوا قراراتكم على مسطرة تاجر أسود، يسترزق من مواجعنا!.
عود على بدء..
لقد قررنا كشعب أن نصمد ونقاوم ونرد كيد المعتدين، وأعلنا في كل المناسبات موقفنا الثابت من كل المشاريع التي يريدها العدو، ولكننا في نفس الوقت نريد بين حين وآخر أن تُبلسم بعض جراحنا، لا أن تنكأ، ونريد أن يمن الله علينا بمسؤول يقنعنا بأنه منا ومعنا، كي نشعر به عندما يزف لنا نبأ أسوداً، فنحن بصراحة مطلقة ابتلينا بأشخاص لا يعرفون تسويق المصيبة، ولا يتقنون توجيه الخطاب إلى (ذوي الفقيد).
غيث حسن