معاصر الزيتون القديمة ورحلة في كروم الزيتون

الوحدة 30-9-2020  

 

أقام قصر الثقافة في بانياس محاضرة بعنوان (معاصر الزيتون القديمة ورحلة في كروم الزيتون) ألقاها الأستاذ نبيل عجمية قال فيها: كانت الأشجار تمثل للبشر لغة عميقة يمكن الإنصات إليها وفي حضارات كثيرة اعتبرت شجرة الزيتون ملكة الأشجار التي مثلت دائماً المقاومة والصمود في قصائد الشعراء وحكايات الأدباء وأصبحت بقدرتها على التكيف والعيش طويلاً في ظروف قاسية مثالاً على الثبات والقدرة على التحمل وقد حازت هذه الشجرة التي اكتشفت في مملكة إيبلا السورية مكانة رفيعة وقدّسها الناس لإمكانية الاستفادة من زيتونها وزيتها وخشبها وورقها وقد عثر على مخطوطات كثيرة تحكي عن فوائد زيت الزيتون وكيف كان يقدم قرباناً للآلهة وهدايا للملوك وأبطال الرياضة، كما أشارت إليه قصائد وكتابات الأدباء في حوض المتوسط، وكان الزيتون هو الذهب السائل طوال آلاف السنين وحتى اليوم ويستخدم شعارها رمزاً للسلام، وأشار إلى أن  سورية تعتبر موطن شجرة الزيتون الأول انطلاقاً من الجبال الساحلية إلى بلاد الشام ومنها انتقلت إلى شواطئ المتوسط في القرن السادس قبل الميلاد وهي شجرة معمرة دائمة الخضرة وتستمر في طرح ثمارها لأكثر من ألف عام وتوجد في قرية لبنانية شجرة زيتون يعود عمرها إلى  2500 سنه ويقال أنها أقدم شجرة زيتون في العالم وأضاف: لقد مثلت شجره الزيتون في الحضارات القديمة الحكمة والسلام والنصر ومصدر الثروة والطعام وفي الأساطير الرومانية حيث كان يعتبر طعام الآلهة وقد عثر على أوراق الزيتون في طبقات صخرية من العصر الحجري القديم كما عثر على عبوات تحتوي زيت الزيتون في القبور المصرية القديمة ونسب المصريون القدماء الفضل في تعلم زراعة الزيتون إلى الآلهة إيزيس، أما في تاريخ الأديان فقد كان الزيتون حاضراً في قصه النبي نوح عليه السلام بعد الطوفان وفي المسيحية هي الشجرة التي صلب عليها سيدنا المسيح وذكر في الكتاب المقدس أن المسيح صلى فوق جبل الزيتون، أيضاً  ترك الزيتون بصمة كبيرة على الأدب وارتبط في اللغة العربية بالأرض  وكان الصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل ومن الأمثال الشعبية التي تحكي عن الزيت (الزيت عمود البيت، كول زيت ونطاح الحيط) ومن العادات الشعبية دهن الطفل المولود بالزيت بالإضافة إلى حكاية الأجداد التي كانت تشير إلى العون والمساعدة في القطاف والعادات الجميلة وأغاني الصبايا والعاشقين، وعن عصر الزيتون قال تعتبر الطواحين الحجرية أقدم ما استخدم في طحن الزيتون لاستخراج الزيت و يتراوح وزن الحجر بين 2800 كغ إلى 1600 كغ حيث تكسر وتطحن حبات الزيتون ومن ثم تحصل عملية فصل الزيت عن الزيتون ومن ثم الزيت عن الماء عبر مراحل هي على التوالي أولاً سحق حبات الزيتون بواسطة حجر الباطون، ثانياً تعبئة الزيتون المطحون في أكياس  دائرية مصنوعة من القش وتكدس فوق بعضها، ومن ثم توضع أحجار كبيرة وثقيلة فوقها، وتحت ثقل الأحجار يفصل الزيت عن الزيتون المطحون وبعد عصر الزيتون المطحون العكر يفرغ في أوعية كبيرة ومن ثم يطفو الزيت على وجه الماء فتتم عملية القطف أي فصل الزيت عن الماء ومع مرور الزمن تطورت المعاصر عبر عدة مراحل لتصل إلى ما نحن عليها، ثم تحدث بعد ذلك عن زيت الخريج والذي يعتبر الزيت الأول في العالم والأعلى سعراً ولقد وصفه البعض بالجرافة التي تزيل كل الأمراض من جسم الإنسان ويرتبط هذا النوع من الزيت مباشرة ببيت ياشوط وريف جبلة وريف بانياس الشمالي وريف القرداحة الجنوبي حيث يتم سلق الزيتون في أوعية كبيرة وقبل إتمام النضج يرفع من الماء ويوضع في سلال كبيرة يفرش بعدها على قاعدة حجرية متسعة مستوية السطح أو على الأسطح الكبيرة بشكل حوض له حافة مرتفعة قليلاً تحصر بينها كمية الماء لتصريفها ثم يغطى الزيتون بأغصان الغار وفيما بعد تستبدل بحصير أو بأكياس الخيش النظيفة ويترك لمدة أسبوع وعندما ينكشف الغطاء تنطلق منه أبخره بسبب تخمره بفعل الرطوبة، يرفع بعد ذلك ليفرش فوق الحصر على الأسطح ويترك ليجف في الهواء لمدة ثلاثة أيام تبدو بعدها حبات الزيتون مثل حبات الزبيب وبعد أن يتخلص من الماء الذي اكتسبه بالتسخين تصبح جاهزة للكسر بالباطوس حتى تصبح أقرب للعجينة وفي مثل هذا اليوم تقوم النساء بإعداد خبز التنور للاستمتاع بتذوق الزيت من الباطوس ثم ينقل مطحون الزيتون إلى الجرف الصخري أو الحجري الذي يتكون من حوض يوضع فيه ماء ساخن أو مغلي حتى المنتصف وعند وضع العجينة فيه واختلاطها بالماء الساخن يطفو الزيت إلى السطح وتقوم النساء بقطفه باليد ووضعه بالجرار والأواني كي لا يبقى على سطح الماء سوى قطرات من الصعب التقاطها وبعدها تجمع الأجزاء القاسية المتبقية من نوى الزيتون ثم تعصر من الماء وتجمع بشكل كرات تترك لتجف يستفاد منها في التدفئة في فصل الشتاء القارص وهو ما يسمى بالتمز.

رنا ياسين غانم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار