الوحدة 30-9-2020
يا لهذا الّليل ما أطوله! ويا لهذا النّوم ما أبرعه في أنْ يفرَّ ويهربَ!
ما أكثر شوقي واشتياقي! وما أكثر حيرتي في أمري ودمعي يأبى أنْ يُغادر جفني!
وما حياتي إلا أشبه بصحراء بفقرها وقفرها وعطشها الدّائم إلى الماء وأنتِ ماءُ حياتي, وأنتِ ذاكرتي وذكرياتي, وما أقسى حياتي وأنتِ بعيدةٌ عنّي وأنتِ القريبة منّي قربَ الجفن للعين, يا لنار الشّوق الّتي تستعر, ويا لصدريَ الّذي يلتهب جوًى, فلا النّومُ بقادرٍ على أنْ يشقَّ دربه إلى جفني, ولا الصّبحُ بآتٍ إلاّ من ضياء عينيكِ الّلتين هما أذان الفجر للضّياء والشّموس.
ما أشدّ ذنبي بأنّي جاهلٌ أنَّ الحبَّ يعني أنا وأنتِ! ولكنّي أدركتُ أنّ الحبَّ هو أنتِ أنتِ ولا أحد سواكِ وأنا أذوب تهواماً وعشقاً, فلا أنا بموجودٍ في حضرتكِ, ولا أنا بقادرٍ على الحركة وقد أطلقتِ سهام عينيكِ ولحاظهما.
آه .. ما أقربَ الموتَ منّي وما أمرّه! كلّما ذقته أدركتُ أنّ الحياة لا تعني إلاّ أنتِ, نعم أموتُ كلّما غادرتِ واختفيتِ, وأحيا كلّما خطرتِ ببالي ورأيتُ صورتَكِ مرسومةً على جفني, وكيف للمرء أن يموت بلحظة وفيها يحيا؟
أنتِ قَدرَي الّذي لا مهرب منه, وما أجمل أنْ يؤمنَ الإنسان بقدره, ويُسلّمَ له أمره, والآن أسلمتُ لكِ أمري, فخذيني إلى حياتي وأعلني بدء ولادتي, خذيني على نعش المحبّة أو نعش الذّاكرة لا فرق عندي, المهمّ أن أمرَّ إلى لقياكِ, وأرى شبابي يتجدّد بعد مشيبي, ومشيبي يغزو شبابي, خذيني واجعليني أيقونة حبٍّ تُبارك للعشاق عشقهم وتُطفئ نار جواهم, تمدّهم بالأمل, يزيّنون بها صدورهم ويُعلقونها على جدران معابد الحبّ وصوامعه , وليكتب العشّاق من بعدي: قد عاش ومات ومات وعاش ولم يزل إلى الآن يموت ويحيا ويحيا ويموت بأمرٍ منكِ.
نعيم علي ميّا