الوحدة 24-9-2020
ليس أكثر من شر استطار بنا وأصاب فينا الجسد والفؤاد غير السرافيس والمواصلات فكل يوم نصحو على كابوس المواصلات والانتظار لساعات على المفارق والطرقات وفي نهاية الدوام نغفو في الكراج نحن الذين سكنا في القرى وتركنا المدينة بطوابقها وأبنيتها التي تطبق على أنفاسنا وصدورنا، لكننا أصحاب وظيفة وأعمال لا تصرف بغير المدينة وقد عملنا لأجل الحصول عليها وصرفنا العمر بسنوات وقد ذقنا الويلات وشر المسابقات وبلاء التوصيات ودفعنا ما في الحسبان بعد أن نلنا المراتب والشهادات فهل نتركها لأجل مغبة الطريق والانتظار الطويل صيفاً وشتاء ناهيك عن الأجور المرتفعة لأجل الوقود لتعود في آخر النهار مرهقاً خامد الأنفاس، ولا تطيق صبراً على الزوجة والأولاد لترفع الصوت وتقسم علناً بالطلاق ..ليس للزوجة بل للوظيفة والسرافيس..
في الكراج وأول أيام الأسبوع يكون الناس مجتمعين (خيراً إن شاء الله) ومكومين على الأرصفة ذات اليمين والشمال، وما أن يأتي سرفيس على أي خط كان وقبل دخوله مساره يكون الناس قد انكبوا عليه وتدافعوا وانحشروا على بابه الذي غصّ بهم ليبتلعهم دفعة واحدة على أربعة وخمسة وينكب منهم على الرصيف مما يردهم للخلف والعودة للمراوحة في أماكنهم لسرفيس قادم من جديد، فتسمع الآنات والصرخات، وهم ينطقون بلسان حالهم بما يفكرون :
الله ينجينا .. (بدي استقيل وارتاح..تعبت )
كل يوم على هذه الحال وما تغيرت يوماً، معاناة حقيقية نعيشها وتنغص علينا عيشتنا، متى سنرتاح.. سأبيع بيتي وأرضي في القرية وأشتري بيتاً في المدينة ولو كان غرفة ومنافعها، ولا أريد لأولادي أن يعانوا من المواصلات فبعد سنة وسنتين يغدون في الجامعة وأنا لي عشر سنوات أعاني من المواصلات وزوجتي تنق علي أن أشتري بيتاً في المدينة مثل كل الناس.
أرغب أن أستأجر بالمدينة أفضل من الطلعة والنزلة كل يوم حيث يفنى نهارنا كل يوم لأجل الوصول للدوام ومتأخرين كما قد أفنينا العمر فيها ونعود في آخر النهار مرهقين، ننفق أكثر من نصف الراتب وما يزيد على الأجور فلماذا كل هذا التعب؟.
كل شيء بالحياة من أوجاع في كفة وانتظار السرفيس في كفة ثانية .المواصلات أهلكتني أرضي وبيتي ورثتهم من أبي لكني كنت قد تخرجت وزوجتي التي أحببتها لم يوافق والدها على طلبي يدها قبل أن أتوظف، واليوم يهدر صوتها أن أترك الوظيفة لظنها أن تأخري عن البيت فيه زوجة ثانية، ولا تصدقني بأنه بسبب المواصلات.
هدى سلوم