وقال البحر… الإسراف…

الوحدة: 9-9-2020

 

يصل تأثير الإسراف أحياناً إلى حدود مبالغ فيها ومؤذية جداً كالإسراف على سبيل الذكر لا الحصر في تناول أصناف الطعام بمختلف أنواعه وفي أداء التمارين الرياضة وفي اتباع الحميات القاسية لإنقاص الوزن وكذلك في الإفراط في نسج روابط الصداقات المتعددة والعلاقات الاجتماعية المتشعبة وأيضاً في تعاطي بعض الأدوية والعقاقير والتي لبعضها آثاراً جانبية حادة تودي إلى شفير هاوية، ومن الملاحظ أن هنالك العديد من الأشخاص الذين لديهم جملة مشاكل نفسية تجعلهم مُهيئين أكثر من غيرهم للغرق في قاع دوامة الإسراف كأولئك الذين يتصورون المرض أينما اتجهوا فيراهم مجمل الناس دائمي الاهتمام المبالغ بشؤونهم الصحية ووظائفهم الجسدية.

إن الإسراف في أي شيء ولو كان شيئاً نافعاً فهو أمر غير مفيد في جميع الأحوال وهذه حقيقة يعرفها ويعلمها جميع الناس، فلماذا إذن يقع في خطأ الإسراف وحباله أولئك الذين يعرفونها!.

هنالك عدة عوامل لذلك و لعل أبرزها إلحاحاً وأكثرها جلية هي الرغبة في الوصول السريع إلى الهدف المقصود والمبتغى المطلوب أو إظهار وإبداء صور ومشاعر الحب الجارفة والعواطف الجياشة العاصفة أو حتى التعجيل بالشفاء من عارض صحي ما، فالإنسان عندما يمرض يُصبح كالطفل في تصرفاته وعلاقاته مع الآخرين لأنه يريد العودة إلى ثوب الصحة ورداء العافية بأي ثمن ولو كان ذلك بالعودة ذهنياً إلى أيام الطفولة حيث كان الطبيب يسعى جاهداً لإعطائه الأدوية بغية المحافظة على صحته وسعادته، وهكذا يُسرف المرء في استعمال وتناول مجمل الأدوية المخففة للأعراض و المعالجة للأمراض بدون قيود أو حدود، ومن الملاحظ أيضاً بأنه رغم العلاقة الوثيقة والمعترف بها بين الوزن والصحة فإن عادة و هاجس الإسراف الحاد في إنقاص الوزن بسرعة كبيرة ليست بالأمر المفيد و الصحي للجسم وخصوصاً عند الذين يعانون من بعض المشاكل المزمنة.

يُعد الخوف من حدوث أي أذى جسدي أو نفسي عاملاً محفزاً للمرء للعودة إلى عادات صغار العمر من حيث الانكباب على تناول صنوف المنشطات والفيتامينات وتجرع العقاقير، وبما أن الإنسان بطبيعة تكوينه يهاب الشيخوخة ويخاف من الموت فهو يُسرف في هذا الخوف إسرافاً يجعله مقيماً في الهم دوماً وخيوط تخيلاته تُصور له أشياء معينة تصرف عنه ذلك المصير، ولذلك ومن هذا القبيل يتهافت عدد كبير من البشر على التهام كل شيء ظناً منهم بأن ذلك التصرف يُبعد شر كل داء ووباء، علماً بأن تناول أي جرعات كبيرة وزائدة من أي مركب طبي أو صحي أو حتى طبيعي يمكن أن يُحدث تغييراً في كيمياء الجسم المتوازن وهذا ما يُؤكد نصيحة إشراف الأطباء على وصف واستخدام أي شيء و ضرورة أخذه بانتظام.       

هناك خرافات حضارية كثيرة تتناول حيزاً واسعاً من جوانب الإسراف وهي كفيلة باستخراج عقلية الطفل من أعماق الذوات وإبرازها طافية إلى السطح وجعلها تتحكم في معظم التصرفات الشخصية ولذا في مثل هذه الأيام وفي خضم قساوة هذه الظروف الاستثنائية والدوران في حلقات تلك الأزمات المفرغة فلا يجوز التهاون أبداً في طهارة الروح ونظافة الجسد بالحدود المقبولة والمعايير المعقولة مع ضرورة التأقلم العقلاني ضمن جوانب البيئة المحيطة في محطات هذه الدنيا لإطالة أمد الصحة والراحة والسعادة.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار