الوحدة 25-8-2020
مريضٌ كان حلمه أنْ يموت في بلادٍ بعيدةٍ، فلا أمّه تفجّر ينابيع وجهها، ولا أحد يحزن عليه.
وساعة بساعة، يشتدّ وقت نومه، فيشتعل ويتأجّج، ليستيقظ كالهارب من الحريق، مصطحباً مرضه الذي يُرسل إشاراتٍ تومض وتنطفئ، استعداداً لتوقّف كلّ شيءٍ، فالدّواء قد تاه في جسده من دون جدوى.
أمّا أمّه فتستمر بتشجيعها، وتحرص على تمسّكه وثباته فتقول: سأموت قبلك، وستدفنني أعلى ذلك السفح- مشيرةٌ بيدها- ثم تضيف: المكان هناك لا تغادره الرّياح، وهي تطبع على القبور صدىً لغناءٍ عذبٍ يتدفّق من الشفاه أنهاراً، وتغرّد معه عصافير الأغصان.
وصلَ البلادَ البعيدة، ليكتشف أنّ علّته ما هي إلاّ شاهد عيانٍ على جسده الذي يفوق حيويّة أمواج تمضي في سباقٍ يتلوه سباقٌ.
تمرّ الأيّام ويخطف الموتُ أمّه والذين هم أقرب من عينيه، فيتذكّر القبور. حاول العثور على قبرٍ فيه صدى الرّياح، فلم يجدْ، وشعر أنّه قبرٌ فارغٌ أصحابه لم يشغلوه بعد:
لامس بكفّيه وجهه وكأنّها أوّل مرّةٍ ثم قال: كم يجعلنا الاغترابُ قبوراً؟ لكنها لا تصلح لأيّ سفحٍ؟!!
وكم أحنُّ إلى أمراضي، لأنّها كانت بحضور أمّي.
سمير عوض