عندما تضيع الروح في البحث عن فضاءاتها!

الوحدة 25-8-2020  

 

لا نتوقع أن طيراً ما, فكّر للحظةٍ أين ينتهي الفضاء الذي يحلّق فيه, وبنفس الوقت لم يفكر يوماً أنه سيصطدم بسقف المجّرة.. يضرب بجناحيه الريح, لأن هذين الجناحين خُلقا لهذه المهمة, ويكبر في صدره الصغير قلبٌ ليستوعب كل ذلك النور والشذا المتاح, ولا يتفقد ريشه ساعة النوم, ولا يشيب فيهرع إلى المجّملين ليداري (وقار) الشيب كما يفعل بني البشر…

هو كله – هذا الطائر الصغير- قد لا يكون أكثر من لقمة (حرام) وإن حللها الذبُح, على مائدة (سكّير) يصحو نهاراً, فيتوجه بكل طيشه إلى مطبعة, فتتفاخر أنها استقطبت شاعراً, لا يزيد (شعره) قيمة عن فتات ما تركه على طاولة الأمس!

أي أحمق هذا الإنسان الذي يعتبر نفسه الأذكى, والأنبل, بل ويحصر هذه المزايا به!

لنسأل العشرات من أبناء الساحل السوري: كيف تتصرفون مع (الرطوبة) التي تضرب جدران بيوتكم, كم يستمر الطلاء على حاله في منطقة عالية الرطوبة؟

منذ ثلاث سنوات, لم تبّدل تلك (اليمامة) عشّها، والذي أتقنت صنعه في كوّة حمّام بيت جيراننا.. ثمة تفاصيل تثير الدهشة لمن يدقق فيها, وقد فعلتُ ذلك..

مثلاً, في كل وقت من النهار تيمّم تلك اليمامة نظرها باتجاه معين، وتكرر الأمر في اليوم التالي, وبتواقيت مضبوطة أكثر من تواقيت التقنين الكهربائي..

عندما نجلس على (البلكون) المقابل لهذا العشّ, وعلى بعد أقلّ من مترين عنه, فإن اليمامة لا تحرّك ساكناً, فقد حفظتنا عن ظهر قلب, أما إن انضم إلينا وافدٌ من خارج العائلة فإنها تضطرب, وتبدأ هديلها القلق, وقد تغادر العشّ بعض الوقت!

خلال ثلاث سنوات تقريباً, لم نرَ طيراً آخر هاجم استقرارها أو نازعها على عشها, فقط تتناوب هي وذكرها على حضانة البيت وإحضار الطعام لـ (الفراخ)!

يأتيكَ من يصرّ أن يعرفك على نفسه (أنا الشاعر مزمّر ابن طبل البلهموطي)….

أتذكر أن أسراباً من الطيور تلقي عليَّ تحية الصباح في بيتي الريفي المتواضع, لا تطلب مني نشر (زقزقة) لها, ولا تنادي بعضها إلا بما هي عليه!

نحن البشر, تنكّرنا لحسن خلق الله لنا, فكبّرنا أنوفنا, ونفخنا صدورنا, واستبدلنا طعم شفاهنا, واختبأنا خلف ألقاب أقل قيمة من أسمائنا, وبدل أن ننطلق في الفضاء بكل ما يمكننا صنعه من جمال، رحنا ننبش القبور, ونعتنق الظلام, ونخرّب الدروب, وننحر بعضنا بعضاً…

من المتعة بالنسبة لكثيرين منّا أن يتعذب الآخرون.. لا قيمة لمالٍ في جيبي إن كان أخي لديه نفس المال, وإن لم يكن لديه فأنتظر أن يأتيني طالباً لأذلّه به!

لم نعد نحفظ أي (حكمة) أو قول مأثور.. لم تعد حزمة الحطب التي استعصت على (التكسير) مجتمعة وتكسّرت بسهولة فرادى, لم تعد حكاية للمّ شمل الأسرة…

بتنا في مهبّ الحياة بقايا حكاية إن حاولنا إلباسها أي قيمة (تمزقت) أكثر, وإن تركناها على حالها فضحت (سخافتنا)…

لا الورد الجوري يتخلّى عن لونه ورائحته إلا إذا عبث به الإنسان ولا (الدُوري) يغير طقوس (تفقيس) بيوضه إلا إذا علّمنا أطفالنا كيف يكسرون هذا البيض!

أما الإنسان… ما أبشع هذا الإنسان, وكم بإمكانه أن يكون جميلاً….

غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار