الوحدة 19-8-2020
فاق حجم العطاء عند الإنسان السوري كل التوقعات، وتجاوز حدود المعقول في كل مناحي الحياة، فبات يرقص مع الموت الإجباري، ويواجه براثنه مع علمه المسبق بالنتيجة.
سنوات طويلة من الحرب العسكرية ونحن نقدم ربيع أجيالنا في وجه أعتى مجرمي المجرة، فسالت دماء كثيرة ليحيى الوطن بمن كُتب له البقاء، وتنوعت اختصاصات الشهداء، فمنهم الجندي المقاتل، ومنهم من مات على برج كهربائي، ومنهم من استشهد وهو يصحح صورة الواقع، ويبعث الأمل، بعدما قدم الإعلام المعادي صورة الهزيمة والانهيار.
في كل أيام الحرب كان العدو يحاول استهداف النوعية، والطبقة المعرفية العليا، لأنهم يعرفون جيداً أن إصلاح الحجر والحديد ممكن إذا توفرت الإمكانيات، في حين قد نأخذ وقتاً طويلا قبل أن نتمكن من صناعة عالم أو طبيب أو ما شابه.
ما أن همدت نار الحرب العسكرية قليلاً حتى هجم علينا الداء اللعين، وأخذ يحصد نخبة المجتمع وجهازه الصحي في ظاهرة تدعو للريبة والقلق على مستقبل هذا الطاقم، حتى بتنا نخاف من يوم قاتم قد نستجدي فيه العثور على طبيب، فلا نجده.
عشرات الأطباء فقدناهم حتى الآن في أعلى نسبة للوفيات بين المصابين، فما أن يعلن عن إصابة طبيب حتى نسمع بخبر رحيله، وكأن هذا الفايروس يعمل بنفس العقل المعادي الذي استهدف الكفاءات وأهل المعرفة.
يعلل أهل الاختصاص سبب ارتفاع نسبة الوفيات لدى الكادر الطبي إلى أن الطبيب المتعامل مع المصابين يتلقى هجمات متعددة من الفايروس، يصعب معها الصمود، فيفشل الجهاز المناعي في الدفاع أمام كثافة الهجوم، و تتعطل وسائط الحماية الذاتية للجسد، لتحدث الوفاة.
لا نعرف ماذا يجب أن نفعل للحد من الخسارات البشرية لأهم كوادرنا الطبية، ولكننا كمجتمع يجب علينا أن نحمي الطبيب والممرض وكل العاملين في هذا الحقل، ولا نستطيع حمايتهم إلا بحماية أنفسنا ،واتباع الطرق الوقائية كي نخفف من حدة الانتشار، فليس من المعقول أن ندخل إلى عيادة طبيب لنجد جل المراجعين بلا كمامات، وبلا أي وسيلة لحماية هذا الطبيب الذي يُدفع بحسه الإنساني لتحمل مخاطر استهتارنا، والزج بروحه نحو التهلكة لأجل أن نحيا على مزاجنا.
في هذا السياق يجب أن تفعل للجنة المعنية أي شيء لاستدراك الأمر، فهي اليوم مطالبة باتخاذ تدابير جريئة وحاسمة قبل أن نصل إلى مرحلة نفقد معها السيطرة ونتحول جميعاً إلى أهداف ثابتة للعدو المستجد.
غيث حسن