الوحدة 23-7-2020
لم يكن الحلم أكثر من أمنية طفل صغير قبل النوم، ربما لعبة جميلة، أو مشوار مع الأصدقاء، أو ربما حكاية مختلفة…
وكما الصغار أيضاً، أطبقت على الحلم أجفاني خشية أن يتسرب من بين الأهداب…
كان لليل ثلاثاء قادم، وبين وريقات من فئات صغيرة بقية من الراتب، نامت خمسة أرقام على فراش الحلم، ورقة يانصيب، هي الضرة المرّة في البيت، لكنني أدمنتها..
سابقاً لم أكن أنتظر النتائج، وكان شراؤها مجرد عادة، أما الآن فأكاد أخنق أملي بها، لعلَّ (دولاباً) طائشاً يحمل الفرح مع (سحب) لم تعد ترافقه أغنيات في الموظفين في الإذاعة والتلفزيون بصفة مطربين!
في كل مرّة، تشرد الدواليب كقطيع غنم هاجمته الذئاب، وأسأل وفق مبدأ الاحتمالات: ألم يحن دوري بعد نصف قرنٍ تقريباً من إدمان الدواليب؟
كم مثلي يحاربون أنفسهم بهذه الأحلام المثقوبة، والتّي لم يسقطوا فيها لولا أن المعاناة بلغت ذروتها، وعندما حاولنا التخلّص من هذا الإدمان (الحلم)، وجدنا أنفسنا غريقي أقساط قروض وسلف وجمعيات … إلخ!
تفاصيل، كما لو كانت من حكايات ألف ليلة وليلة، نريد أن نضيف يوماً جديداً إلى عمرنا، وما أن يأتي هذا اليوم حتى نحار كيف سنتخلص منه، ونقذفه إلى تاليه!
عقّدنا أنفسنا بـ (الحسابات)، ومزّقنا أشرعة تفاؤلنا ونحن ننفخ مثل (تنين) على جرحٍ لن يندمل، فيزداد ألماً واشتعالاً…
نبحث عن صديق، علّنا نجد في واحته جذعاً صلباً نستند عليه، لكنَّه (السوس) ينخر كل شيء حتى من ظنناه جداراً صلباً، ودوح راحة وأمان، والخسارة هنا تخفف علينا الحسرة على الخسارات الأخرى.
نبحث عن طاقة فرج، نفتش الأخبار العاجلة والعادية، الوطنية والمغرضة، لا شيء يلوح في الأفق، وكل الأخبار باردة حدّ التجّمد في هذا الصيف اللاهب…
أصبحنا (رخيصين) في زمن (رخيص)، لم يعد بإمكان الأب أن يخبر أولاده ببطولات الأمس على شاكلة دروس التاريخ، لأنهم يريدون أن يروا بطولاته الآن بـ (علبة متة) كانت على (قفا مين يشيل) وتحوّلت إلى (رجس من عمل الشيطان) نتجنبه مكرهين لا عن إيمان!
نحن قوم لا نأكل حتّى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، مقولة لم تعد ميزة لأحد (فهمان) على حساب آخر لا يهمّه سوى حشو بطنه، بل صارت بنداً إجبارياً في (أنظمة الخدمة) وممّا يتوجب على المواطن فعله (ومن خدم في الجيش) يعرف ما معنى هذا الكلام!
أستطيع أن أردّ للنهار لونه، وأن أزرع القمر قنديلاً يزّين مساء حبيبتي مهما انقطعت الكهرباء، ومهما (لحس) القائمون عليها وعودهم، وأستطيع أن أنثر الزنبق والجوري على دربها، وأن أرمشه بالمياه حتى لو خالفتني مؤسسة المياه فالأهم (ألا تتغبر ثيابها) وأستطيع أيضاً أن أجمع الشموس باقة زهر ستذبل على طاولتها، ولكن يبدو أنني تعلمت البخل ولا أفعل ذلك؟!
هنا، وفيما تناثر من ورق أسمر على مكتبي، شطبت عشرات العناوين، فبعض هذه العناوين يلسع كعقرب، وآخر يحرق كجحيم، وثالث يدعوني إلى زيارة بيت خالتي، ورابع قد يدفع أحد أبنائي لسحب انتمائه إليّ، لكن أقساها أن تسأل نفسك: من كتبَ هذا؟
يبدو أننا أصبحنا غرباء عن حروفنا، لا يوجد تصالح بيننا وبينها… ويبدو أننا في (أرزل العمر) بحاجة إلى (إعادة ضبط المصنع) أو إلى (التنسيق) ولو لم يحن بعد موعد الجرد السنوي!
غانم محمد