طرطوس-سانا
يرى الفنان والمخرج المسرحي رضوان جاموس أن استمرار المسرح وبقاءه فناً حاضراً وفاعلاً في المجتمع في ظل التطورات السريعة والمتسارعة لتكنولوجيا المعلومات والهواتف النقالة والأقمار الاصطناعية مرهون بالعقول التي تشرف على هذا الفن وتعتبر أنه علم وفن وصناعة عندها فقط يمكن القول إن مستقبل المسرح بخير.
وفي حوار حول المسرح ومسيرته الفنية خلال أكثر من أربعة عقود قال جاموس لمراسل سانا في طرطوس إن المسرح بالمطلق هو فن حي ومتجدد وهو أيضاً فن مركب تتفاعل فيه جميع الفنون البصرية ويجاور أيضا بعض الفنون التي يمكن تسميتها الفنون الانفعالية اللحظوية مثل الشعر والقصة القصيرة بفرق أن فن المسرح يحتاج إلى زمن في مواصلة العمل قد تأخذ شهوراً للوصول إلى النتاج المطلوب مبيناً أنه في ظل التطورات السريعة والمتسارعة لتكنولوجيا المعلومات أصبح الفضاء متاحاً ومباحاً للضخ بسلع الاستهلاك التي عملت على غزو العقول وإذكاء الغريزة وأفرزت مفرداتها ومصطلحاتها في الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات.
وأوضح جاموس أن المشروع المسرحي له هدف إما إيصال فكرة اجتماعية أو تاريخية أو انسانية أو سياسية وللوصول إلى هذا الهدف ينبغي أن يقوم المشروع على بنية عمادها النص والممثل والتقنيات الفنية والفضاء المسرحي “المكان” وعلى متلق وأي خلل في هذه البنية سيؤثر سلباً في إيصال النص المسرحي لهدفه وهو التفاعل مع المتلقي.
وحول توجه أغلب المخرجين نحو النصوص العالمية وابتعادهم عن النصوص العربية والمحلية أو لجوئهم إلى كتابة النص وإخراجه قال إن هناك الكثير من المخرجين الذين يعتبرون أن النصوص العالمية المترجمة تحقق لهم مكاسب فنية أكبر رغم ما تحمله أحيانا من غرابة وغربة وهناك البعض ممن تناول نصوصاً عربية أو محلية وحقق من خلالها نجاحاً مضيفاً إن هناك من يرى أن مثل هذه النصوص لم تعد صالحة في هذا الزمن أو أن الفكرة والشخصيات والحوار قد عفا عليهم الزمن أو تجاوزته الحياة بينما لاذ بعض مخرجينا بكتابة النصوص المسرحية بأنفسهم وهذا أوقع البعض أو ربما الكثير منهم في مطبات سميت عروض النص المسرحي معتبراً أنه ظهر من المخرج الكاتب فقط.
وبين أن عدم وجود كتاب مسرحيين جدد محترفين وأصحاب خبرة في طبيعة الفن المسرحي هو سبب مباشر في الفوضى الحاصلة في اختيار أو كتابة نص وقال “لقد كتبت للمسرح عشرات الأعمال مع فريق العمل ولاسيما أني كنت أكتب نصاً لعرض مسرحي وليس عرضاً لنص مسرحي وهذا أكسبني مع الزمن القدرة على الحصول على أدق التفاصيل أثناء عملي مع الممثلين” موضحاً أن ميزة نص العرض هي في قيمة الفعل المسرحي والصدق الفني والحياتي ولا يكتمل نص العرض لغاية عرضه أمام الجمهور وبهذا يظل نص العرض حياً وإن جنح نحو خسارة الكاتب المخرج لنص أدبي فهو بالأساس كتبه كنص عرض وليس كعرض نص.
وعن حجم الآثار السلبية التي تركتها الحرب الارهابية على سورية على المسرح وعن الدور الذي كان على المسرح القيام به في مثل هذه الظروف الصعبة أوضح الفنان جاموس أن الحرب أفرزت الكثير من الألم والمرارة والوجع فالكثير من الحكايات ستروى للاجيال على مر الأيام والزمن فقد دمر الظلاميون الكثير من المسارح الحديثة لكن ظلامهم لم يستطع تدمير الأضواء الساطعة للمسرح.
واعتبر أن حضور الكثير من الممثلين والمخرجين المسرحيين كان خجولاً جداً بل معدوماً حيث اتجهوا نحو شركات الإنتاج التي تحقق لهم المكاسب المادية والشهرة وقال إنه كان يجب على المسرحيين أن يكونوا أكثر حضوراً وفعالية مبيناً أن من به شغف وعشق للمسرح بقي يعمل في أصعب الظروف وأنتج أعمالاً كبيرة رغم شح الموارد.
الفنان جاموس الذي سجل انطلاقة مهمة ولافتة كنجم صاعد في مطلع الثمانينيات في السينما والدراما والمسرح قرر العودة إلى طرطوس من دمشق عام 1987 ليبقى إلى جانب والديه وعندما طالت مدة بقائه تعرف على أصدقاء هواة مسرح وكانوا يعملون في المسرح الشبيبي مع المخرج والموسيقي والملحن علي جاموس مؤسس المسرح بطرطوس وأنجزوا أعمالاً مسرحية كثيرة كما أسسوا فرقة بيادر المسرحية.
وقال “بالتأكيد وجودي في طرطوس قد أثر في البداية بعض الشيء على عملي في الدراما لكن ظل بعض المخرجين يطلبون مني المشاركة في أعمالهم التلفزيونية والسينمائية رغم تفرغي للمسرح” مشيرا إلى أنه مع مرور الوقت ومع استفحال ظاهرة الإنتاج والشركات الخاصة آثر الانتقاء والتروي في الأعمال المعروضة عليه لعدم انسجام بعضها مع ما يعتقده صواباً واستجاب لبعضها إلى أن انعدمت الدعوات الموجهة له للمشاركة في الأعمال الدرامية معتبراً أن الخسارة الوحيدة كانت مادية لأنه ربح نفسه وكون عائلة “شابين وفتاتين” منسجمة ومتحابة.
وعن المسرح في طرطوس قال جاموس إنه نشط ومتنوع فهناك المسرح القومي من جهة ومسرح الشبيبة والمسرح المدرسي ومسرح الطلبة وبعض الفرق المسرحية الخاصة حيث تتفاوت عروضها فيما بينها وهذا طبيعي لكن من غير الطبيعي توقف عمل معظمها معرباً عن اعتقاده أن استمرار أي عمل فني ومسرحي يحتاج بالمطلق إلى دعم مادي سخي وهذا غير متوفر في كثير من الحالات التي ذكرها.
وأكد بهذا الخصوص أن إرساء تقاليد فنية عالية هو ضمانة للعمل الفني وأن الاستثمار في الثقافة هو ضمانة لإنتاج المعرفة وبالتالي الإنسان متسائلاً عن سبب غياب التقاليد الفنية في المهرجانات السنوية المتنوعة في المحافظة وقال “أعتقد أنه آن الأوان للاستفادة من الخبرات الفنية من مسرحيين ونحاتين وفنانين تشكيليين ومدربي فنون شعبية وتعبيرية وموسيقيين لوضع خطة وبرنامج عمل لمهرجانات سنوية ناجحة” مبيناً أن المسرح في طرطوس ساهم بوصول الكثير من الأسماء إلى المعهد العالي للفنون المسرحية حيث احترفوا التمثيل وأصبحوا نجوماً.
ونوه الفنان جاموس بدور المركز الإذاعي والتلفزيوني في المحافظة بمتابعة الأنشطة الثقافية المتنوعة ولاسيما المسرح معرباً عن أمله أن يعمل الإعلام الفضائي على تسليط الضوء أكثر على المسرح والمسرحيين في طرطوس.
الفنان رضوان جاموس خريج المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل بدأ نشاطه منذ عام 1974 في مسرح الشبيبة والمسارح المتاحة في المحافظة في تلك الفترة قبل انتسابه للمعهد وتخرجه فيه عام 1981 حيث شارك وأخرج العديد من المسرحيات وشارك كممثل محترف بالعديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية وهو عضو في نقابة الفنانين منذ عام 1981 من أعماله في المسرح “الخدامة و سفرة بلا سفر و كوميديا السلام و ابن الغابة و حكاية بلا نهاية و سرب العصافير وغيرها وفي السينما..”نجوم النهار .. الليل.. القناع” وفي التلفزيون “المنعطف و الاحتفال و أشجار البحيرة و حوش المصاطب و جذور وجسور و مسلسل نهارات الدفلي و الخطوات الصعبة و الفراري و أمواج و لعنة الطين و صلاح الدين الأيوبي و سيف بن ذي يزن.