مشغولات الخيزران (القصب) إلى زوال!

الوحدة: 17-6-2020

 

اشتهرت محافظة اللاذقية على مدى عقود، بورشات حرفية عالية المستوى لصناعة منتجات من الخيزران، وللخيزران عدة أنواع، لكن لكل أنواع جذوع شبه خشبية، وما عودتنا اليوم لتذكُّر صناعة الخيزران إلاّ من باب الحفاظ على هذه الحرفة الإبداعية الراقية ومنتوجاتها الجميلة من الانقراض.

كانت لنا زيارة لإحدى المعايشين لهذه الحرفة، وواقعها اليوم السيد باسل عدنان حنوف الذي قال: على مدى أكثر من عقدين وأنا أقضي أغلب أوقاتي مع القصب أو الخيزران، استهواني هذا العالم كثيراً وبدأت أولاً كتاجر يبيع جميع أدوات الخيزران مهما صغرت أو كبرت ابتداءً من الصناديق الصغيرة إلى الكراسي، إلى الطاولات، والأطقم المنزلية، ومستلزمات الحدائق والتراسات وأسرّة الأطفال وديكورات الأسقف والحائط وغيرها.

عالم الإبداع الحرفي في مجال الخيزران يبدأ ولا ينتهي وكل منتجاته تلقى الإعجاب والتقدير من جميع الناس، بعد تعلقي بهذا الجو ومن شدة حبي له بدأت أتعلّم كيفية العمل من خلال ورشة من العمال كانت تعمل عندي ومنهم تعلمت ألف باء وأساسيات هذه الحرفة لأصبح قادراً على صنع كل ما هو مطلوب مني، من دون أن أعتمد على أحد.

مرت حرفة صناعة الخيزران في اللاذقية بفترة ذهبية، مع أنها لم تصنف رسمياً في اتحاد الصناعات الحرفية، لأنه لم يتم اعتماد الخيزران هل هو خشب أو نبات قصبي له جذوع خشبية؟ ومع ذلك كنا نعمل وكان في اللاذقية حوالي عشر ورشات مهتمة بمشغولات الخيزران لتصبح اليوم ثلاث أو أربع ورشات على الأكثر.

كانت كل مستلزمات هذه الصناعة مؤمنة وبكثرة غلائها لأنها كانت مستوردة واليوم الواقع مختلف تماماً، فالاستيراد متوقّف منذ بداية الأزمة علينا، وهذه الحرفة الرائعة في تدهور لم يحصل له شبيه حتى الطلب على قطع الخيزران تراجعت جداً لأنّ الأسعار غالية جداً بل مخيفة.

فمثلاً سعر كرسي الخيزران الهزّار (130) ألف، والكرسي العادي (75) ألف وطرّاحة الجلوس عليه بـ (15) ألف أما أسعار الأطقم المنزلية صارت بالملايين.

من المؤكد أنّ حرفة مصنوعات الخيزران على شفير الهاوية، أو بمعنى أدق هي بحالة احتضار بسبب إصرار البعض من حرفييها والتجار على العمل بما لديهم من مواد كانوا قد استوردوها في السابق قبل وقف الاستيراد إغلاق الحدود.

اليوم كل المنافذ مغلقة للحصول على مواد التصنيع.

لا أعرف إذا كان الصراخ الموجع للجهات المعنية يلقى آذاناً صاغية، لتوفير مواد هذه الحرف العالية الدقة الراقية، المشغولة بأيدي حرفية رائعة وبأساليب قديمة تقليدية، فحرفة أو شغل الخيزران هو فن تقليدي حرفي قديم، له عالمه وإبداعاته وله استخداماته الحياتية الضرورية حتى وإن كانت حصراً بالمقتدرين مادياً إلا أنها تدرُّ ربحاً على الحرفيين الذين يعملون بها، وهي مصدر رزق لهم، وهي صناعات حرفية تنبض بالحياة لأنّ القطع الناتجة في حد ذاتها أعمال فنية متفردة عن كثير من الصناعات الحرفية التي تشتهر بها محافظة اللاذقية.

وختم السيد حنّوف حديثه فقال: لا أعلم إذا كان على المدى القريب تصدر أموراً جديدة من الجهات المعنية، خاصة بوزارة التجارة والاقتصاد، ويكون هناك قوانين جديدة تسمح باستيراد هذه المواد الأولية اللازمة لهذه الصناعة اليدوية والحرفية الإبداعية التي كما ذكرت هي بمرحلة الموت السريري وقد يكون من المحزن جداً أن تتدمر وتموت حرفة جميلة في حين قد يكون من الممكن إنعاشها وإحياؤها من جديد. أتمنى أن تكون مسألة وقت فلا شيء مستحيل.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار