الوحدة: 14 حزيران 2020
المتغير بين الواقع بين الماضي والحاضر، هو في الرؤية وأسلوب المعالجة لمواجهة التحديات..
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان الحصار شرساً كما هو اليوم وأكثر صعوبة، وتأتي هذه الصعوبة من طبيعة الواقع الاقتصادي للوطن، فخزينة الدولة كانت فارغة من العملة الصعبة، ولم تكن سورية تمتلك كفايتها من القمح والدقيق ومن المطاحن والصوامع ومن الإنتاج الحيواني، وكان سوق التهريب من لبنان مفتوحاً لتوفير السمون والزيوت النباتية ومستلزمات العيش اليومية.
وظلّ المواطن السوري صبوراً، لأن وعيه السياسي لطبيعة ما يجري ظلّ عالياً..
ولديه الأمل بالخروج من الأزمة اعتماداً على مجمل الإجراءات، ومن أهم تلك الإجراءات (الاعتماد على الزراعة)، وإعطائها الأولوية في موازنة الدولة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الغذاء واللباس، فتوسعت زراعة الحبوب والأقطان والشوندر والأعلاف والخضراوات وانتظمت الزراعة المروية والبعلية وفق خطط زراعية، وربطت عملية التسويق من المزارعين بالدولة وبأسعار مجزية، وأقيمت صوامع الحبوب والمطاحن والمخابز الآلية التابعة للدولة، وأقيمت المصارف الزراعية لتمويل الزراعة وأغلب تلك القروض كانت من دون فوائد، وأحدثت مؤسسات الحبوب والأعلاف والصناعات الغذائية والأقطان والنسيج والتوسع في إنتاج المشاتل التابعة للدولة لتوفير الغراس الجيدة من الحمضيات والتفاح واللوزيات وافتتحت منافذ البيع التابعة لمؤسستي الاستهلاكية والتجزئة وأحدثت مخازن استهلاكية تبيع كل متطلبات المواطن في الجمعيات الفلاحية، وتم ربط استيراد وتوزيع متطلبات المؤسسات الاستهلاكية والتجزئة بالدولة، وفي زمن قصير نسبياً، كانت سورية قد حققت الوفرة في كل شيء، ومن هنا نجد أن ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس (إن سورية تأكل من خبزها وتلبس من قطنها، فظلت صامدة وقوية).
لنعترف ونحن نقرأ الواقع.. قبل أن تبدأ الحرب على سورية، تضاءل الاهتمام بالقطاع الزراعي، وغادر كثيرون الأعمال الزراعية والأرياف نحو المدن
وانحسر دور القطاع العام في الإنتاج، وفي العلاقة مع المنتج المحلي،
وتقلص دور مؤسسات التجزئة والاستهلاكية، وجهات استيراد الأدوية الزراعية والبذور، وارتفعت تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، واتسع دور القطاع الخاص على حساب القطاع العام تحت مظلة شعار (اقتصاد السوق الاجتماعي).
في كلمة أخيرة.. الدول تستفاد من تجارب البلدان الأخرى الناجحة في العمل الاقتصادي، نحن في سورية لدينا تجربة الثمانينات من القرن الماضي، فلنعد إليها لقراءتها وتطويرها بما ينسجم ويتوافق مع الواقع الراهن.
سليم عبود