بلاد وعباد.. هل نستطيع؟

الوحدة: 1-6-2020

نعض على نواجذنا عندما يطالعنا مسؤول قطاع إنتاجي بخسارات مرعبة في قطاعه، بعدما عجز المنتجون عن إكمال دورة العمل بسبب كلف الإنتاج العالية، وتلفنا الخيبة عندما نستذكر تلك الحلول التي طرحت على مدى سنوات وأشهر، وكلها تمحورت حول دعم المنتج وحمايته قبل أن يتوقف عن الإنتاج، ويخنقنا الغيظ عندما نسمع عن قرارات اتخذت في الأيام الأخيرة لاستنهاض المنتجين، وإعادة دعم عملهم بعدما وقعت الفأس بالرأس، وباتت العودة محفوفة بالمتاعب والمخاطر وإمكانية التعرض لخسائر إضافية.

(أن تصل متأخراً)، هذه العبارة قد تنفع في وقت ما، وقد لا تنفع في أوقات أخرى، فالمصاب بالسكتة الدماغية لن ينفعه تأخر العملية الإسعافية، وربما يبقى على قيد الحياة، ولكنه سيعيش في غيبوبة إلى حين، ومفارقته للحياة ستكون أفضل له ولعائلته، وهكذا يحصل معنا دائماً في قطاعات الإنتاج، فالمسعفون لا يصلون في الوقت المناسب، والقرارات المطلوبة لا تصدر إلا بعد تعطل الحركة وفقدان الثقة بإمكانية العودة من جديد، ولن نعدد القطاعات المنكوبة، لأننا نعرف شيئاً، وتغيب عنا أشياء.

لا يستطيع أي مطلع أو ضالع في الشأن الاقتصادي والمعيشي أن يقنعنا بأننا نسير بسياسة اقتصادية صحيحة، ولا يستطيع أي مسؤول عن وضعنا المعيشي إيهامنا بأنه ليس بالإمكان أكثر مما كان.

في الوقت المفترض لدعم المنتِج المحلي، ذهبت الحكومة إلى دعم المستورد على اعتبار أن هذا الدعم سينعكس على سعر السلع المستوردة في الأسواق، وسيصل هذا الدعم تباعاً إلى المستهلك، والنتائج كانت مخيبة للآمال، وبات المستورد يسعر سلعه بناء على سعر الصرف في السوق السوداء، والمواطن يكتوي بنار التاجر المدعوم بسعر صرف تفضيلي؟.

هذه السياسة قد تكون صحيحة في مجتمع المدينة الفاضلة، ولكنها أثبتت فشلها في مجتمعنا، و(المتة) أول الشاهدين.

قبل أيام، تربعت(علبة) المتة على عرش المواد الاستهلاكية، وبلغت عنجهيتها حدود اللامعقول، وبتنا نخشى أن يزورنا ضيف من عشاق المتة، فقد أضحى مشروب الفقراء عزيزاً عند مريديه، وعبئا على جيوبهم المنهكة، حتى وصلت الحالة إلى حدّ المطالبة بمقاطعة هذه المادة، والاستعاضة عنها بالزوفا والزعتر والمليسة.

هذه المادة بالتحديد شهدت أزمات عديدة طوال سنين الحرب، وعجزت مؤسسات الدولة عن إيجاد حل لتحكم المستورد الوحيد بسعرها وتسويقها، وكلنا نذكر النزالات التي خاضها التاجر الوحيد مع وزراء ومديرين عامين بخصوص تسعيرها، وكلنا أيضا نذكر أن التاجر انتصر، وفرض إرادته على الجميع، ومازال حتى تاريخه يسيطر على الموقف، ويتصرف كما يشاء، ومازالت المادة محصورة بشخصه، ولا يستطيع أحد خرق هذه الحصرية، والولوج إلى سوق المنافسة عليها.

هذا الواقع المعاش يفرض علينا أن نسير في اتجاهين متوازيين، أولهما دعم المنتج بكل ما أمكن، وثانيها ضبط دعم المستورد كي لا تنقطع المواد الاستهلاكية من الأسواق، وليست مسألة ضبط المستورد مسألة فيزيائية، فكل المواد معروفة المصدر، ومستوردها معروف أيضا لدى الجهة المعنية، ولا أسهل من فضحه، وإيقافه في حال قرر الخروج عن النص، فهل نستطيع؟.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار