الوحدة : 18-5-2020
جيا كوميتي فنّان كبير وأعمالهُ النحتية في منتهى الجمال وقال ذات مرّة عبارة رائعة (إذا شبّ حريق وكان عليّ أن أختار بين إنقاذ لوحة للفنان العظيم رامبراندت وإنقاذ قطة فإني أختار إنقاذ القطة، وسأطلق سراح القطة) بعد ذلك اختار النحات الشهير ألبرتوجيا كوميتي إنقاذ قطة على حساب الفن ولكننا لا يجور أن نتخلّى عن الإبداعات الفنية والأثرية التي تركها الفنانون الذين يُضيفون نبضات من ذواتهم وقلوبهم في أعمالهم الإبداعية فتغدو غالية كالحياة وهي تمثّل عظمة الكبار الخالدين الذين يتغلّب فنهم على الموتِ والخرابِ والاندثار، وماذا عن المتوحشين الذين هدموا الآثار، لقد قوّض المسلحون الإرهابيون الكثير من الآثار الشامخة الرائعة في تدمر، وقتلوا عالم الآثار الشهير خالد أسعد الذي حزنتْ لموته المؤسسات الثقافية في العالم. إن هدمَ الآثار، وقطعَ رأس أبي العلاء في المعرّة، يُثبت أن هؤلاء برابرة متوحشون أعداء الحضارة، والمدينة وأعداء الحياة.
فرغتُ من قراءة كتاب (الأسلوب اليوناني في الأدب والفن والحياة) ترجمة حنا عبود، جاء في الكتاب أن هناك فرقاً كبيراً بين إنتاج أعلام الأدب العالمي وما أنتجتْه اليونان لاختلاف النظرة إلى الحياة، وكلمة الأسلوب في هذا الكتاب أفهم منها أنّها تعني هنا طريقةَ الحياة، الحياة الفراتية تنتهي بالموت ولا شيء بعده كما يبدو ذلك في أدبيات منطقة نهر الفرات وخاصة ملحمة جلجامش، بينما الحياة المصرية الحقيقية تبدأ بعد الصَبر، أو من محكمة أو وزيريس اتّجه اليونان إلى الشرق، وأطلقوا على الغربيين اسم البرابرة، لكنهم لم يأخذوا بالصيغة الفراتية ولا بالصيغة المصرية، كانت صياغة اليونانيين خاصة بهم، فقد وازنوا بين الحياة، والموت وبين الدنيا والآخرة واستطاعوا التخلص من الاستبداد المتهور، وكل ما اشتمل عليه معبد دلفي كان عبارة عن مجلتين منقوشتين في جدرانه وهما (اعرفْ نفسك ولا تتطرّف) أما المتطرفون المتعصبون الإرهابيون الذين تصدى لهم شعبنا وجيشنا فهم يمثلون أقبح التعصب والتطرف والإرهاب.
ونحن الذين ندافع عن الحق والخير والجمال والحبّ ونحن الذين نتمسّك بالحياة من أجل أن نبتهج باجتثاث أعداء الحياة لنجدَ وطننا أكثر ازدهاراً وأماناً وجمالاً.
عزيز نصار