الوحدة: 6-5-2020
يُعد الإبحار في حركة التاريخ البشري بشكل عام وكذلك البحث العميق في ثنايا الحقب التاريخية السابقة حافزاً للمرء لاكتشاف العديد من النساء اللواتي سطعن كظواهر عملاقة برزت بصماتهن في تحريك المجتمعات البشرية على شتى الصعد من خلال إملاء الساحة العالمية بمفاخر الفكر الإنساني وتحليل منهجيته ونشر المعرفة ونقل العلوم وهذا الشرح ليس مبرراً للغرور والمفاخرة ولكنه محرك وباعث جاد لاستمرار العطاء وتقديم الأفضل لعموم البشر.
عُرفت الملكة الفينيقية العربية أليسار ببانية قرطاج وأصبحت منارة ساطعة يهتدي بها الناس إذا أظلم الليل نظراً لدورها البناء في بناء المجتمعات وقد جابت أليسار سواحل البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن موقع يرضي طموحها ويحقق أحلامها ويلبي رغباتها في البحث عن مكان يتناغم مع ما تحمله في نفسها وذاتها من أفكار خلاقة ومقترحات بناءة، وبعد أن وجدت ضالتها في مدينة قرطاج التي دغدغت طموحها فقد بدأت بنشر صناعة الفسيفساء التي حملت بدورها فنون وأساطير وقصص الأمم القديمة ونمط حياتهم وطبيعة معتقداتهم ونافست أكبر وأعرق الإمبراطوريات علماً وثقافة ومعرفة وقد بسطت ملكة قرطاج سيطرتها على مساحات واسعة من الجغرافيا امتدت من شواطئ المتوسط إلى حدود السواحل الأطلسية وحكمت أكثر من مئتي مدينة على ضفاف وشواطئ البحر المتوسط. وبالذهاب إلى مدينة حمص وتحديداً إلى تدمر يتعلم الإنسان من موحدة العرب في العالم القديم الملكة السورية زنوبيا مدى دور المرأة السورية في إعادة بناء الدول وقيادة الأمم في عصور عجاف أصابت الأمة فقد استطاعت الملكة زنوبيا المتميزة والتي آمنت بقيمة شعبها بالقيام بإنجازات باهرة تتلخص في:
– أخذت دورها الإنساني في بناء حضارة لا تزال تتحدث عن نفسها وتعطي للأمم دروساً عن عظمة تفكير الإنسان السوري في البناء.
– كادت أن تصبح ملكة على العالم بأسره لأنها إنسانة مثقفة وفارسة من طراز رفيع وأدركت أهمية قوة شعبها وعرفت كيف تقوده للنصر.
– عملت على تكوين دولة قوية لا يستهان بها وازدهرت تدمر كمركز تجاري مهم تمر من خلاله بضائع الشرق.
– ارتفع مستوى الحياة في تدمر وازدهر نمط العمران وتزينت المدينة بالتماثيل المعبرة.
وبالحديث عن سيدة سورية أخرى سطرت بحق صفحة ناصعة من فصول كتاب التاريخ بإخلاصها وقوة إرادتها وبصبرها ورباطة جأشها وقد سماها المؤرخون أوغستا (جوليا دومنا) وأم الوطن وأم القياصرة وأيضاً أم الجيوش، وكلمة أوغستا تعني الإمبراطورة وكلمة دومنا تعني بالسورية مارتا أي السيدة البالغة الجلال وقد فاقت جوليا دومنا بجمالها الأخاذ وثقافتها الواسعة كل من سبقوها واختزلت في شخصيتها المبهرة أساطير وحكايا الملاحم لأنها وضعت بصماتها على التاريخ في تخطيها للحدود المحلية ووصولها إلى درجة العالمية وبراعة تأثيرها على مصير حركة التاريخ على ضفتي البحر المتوسط، وقد حققت إنجازات حقيقية مع زوجها الإمبراطور سيبتموس سيفيروس العربي الأصل وعملت معه على تعزيز دور السوريين في قيادة دفة الإمبراطورية الرومانية سياسياً واجتماعياً وثقافياً من خلال إصدار المراسيم التي تساوي بين كل رعايا الإمبراطورية بغية تغيير سلوك أفرادها نحو الأفضل ودعم ذلك بفقهاء قانون قدموا من مدينة حمص السورية أمثال بابنيان وأولبيان بغية تعزيز ونشر الثقافة الرومانية وتحويلها إلى ثقافة إنسانية تتناسب مع المحبة للعدل والسلام أيام حكم الأباطرة السوريين.
د. بشار عيسى