تكثيف الزمن

الوحدة : 17-4-2020

الوقت كان وما يزال السلعة الأكثر قيمة والميزة الأهم لمن يجد استغلاله، فالوقت نهر جار ومياه ثروة لا تضاهيها ثروة، فإما تجلس ترقبه برومنسة وتهدر ثروتك وإما أن تختار استغلال ما تستطيع منه لترتقي وتتطور، لا تنسى أن هنالك من لا يستفيد بل يرمي فضلاته فيه وما هو إلا فضلات ترمى بمزابل التاريخ.

إن حالة التوازن والاستقرار هي الحالة التي تنحو نحوها الظواهر الطبيعية، فالأجسام الساخنة تبرد بهدوء لتتوازن حرارتها مع محيطها، والرياح تعصف ولا تلبث أن تسكن، والبراكين تثور وتنفجر ثم تستكين وتهدأ، والأمواج تضرب الشط بعنف ثم تهدأ ..حتى مشاكل الحياة تنطلق بعنف ثم تبدأ بالصغر والتلاشي، فالحروب والأمراض كذلك الأمر. وأرواحنا هكذا تتصرف فآلام الفراق تعصف بأرواحنا بقوة تتلاعب فينا تعبث بمشاعرنا ثم رويداً رويداً تستكين والحقيقة أننا نحن من استسلم لها بمعنى استوعب بعقله ما ألم به، عندها تتعافى روحنا.

كل هذا معروف ومفهوم لأغلبنا، فالحياة لها صيرورة أي تتصرف معنا أو بدوننا فالزمن نهر جارف لا يقف أبداً. ولا يمكن لأحد أن يوقفه، المثل يقول: إن الزمن كفيل بإصلاح كل شيء، إذا الزمن مستمر بعمله ليصلح كل شيء. ولكن قياس سرعة الزمن ومعرفة المقدار اللازم منه لإنجاز عمله هو المهم، تقدير الفترة المطلوبة لإنجاز عملنا هي الشيء الأهم وهي الهدف لأنها الميزة التي يتميز فيها شخص عن آخر وشعب عن آخر.

فإن تركت الزمن يفعل فعله واستكنت فخيارك بالتسليم خيار الضعفاء الخاملين المتكاسلين، المنفعلين، ولكنه خيار موجود في الواقع وقد يعده البعض رومانسياً، ولكن الحياة تنافسية والوصول للأرقى ضرورة حتمية لفعل الخير وهو الأفضل والأصعب، فالعمل بجد واجتهاد لنسبق الزمن أو لنكثف الزمن ونجعله قصيراً وبذلك نكتسب ميزات كثيرة بزمن قصير، فاستغلال فرصة يتيح لك أخرى وهكذا (فالتدريب المستمر تكثيف للخبرات والمهارات)، وبعمرك المحدود يمكنك إنجاز الكثير من الأعمال التي تفخر بها، على المستوى الشخصي، أما إذا انطبق الجد والاجتهاد لكل موظفي مؤسسة ما فإن النجاح والتميز حليفهما أكيد، وإذا انطبق ذلك على شعب بأكمله فمن المؤكد أنه سيصبح شعباً عظيماً متمتعاً بالحضارة لحقبة من الزمن، راجعوا تاريخ الحضارات وفترات الازدهار لكل شعب أو أمة ستجد أن العمل الجاد والمضني لكل المجتمع هو السمة الأهم لهذه الأمة، فالحضارة المصرية يراها الناس عظيمة بأهراماتها ويحفظون اسم فراعنتها، ولكنها هي نتاج عمل جاد وشاق لشعب مصر القديمة رجالاً ونساء، عمل مبهر حتى عصرنا هذا، ولو كان الجهد الذي بذلوه هو ما نبذله من جهد لكانوا ما يزالون في رفع أول صخرة من هرمهم، أو لاحتاج المصريين لـ 4000 عام لبناء هرم واحد.

الشيء الآخر الذي يجب أن نكون واعيين له هو أننا في عالم واحد والكل يركض ويسعى والكل يمصلح علاقاته مع الآخرين بما يحقق أهدافه، صديق كان أم عدو هو يرى مصالحه ويسعى إليها بشراسة، وما كورونا بمخاطرها إلا فرصة لنرى المصالح كيف تتحرك وتتصرف، فإن لم تتصرف بسرعة وتستغل الوقت لصالحك فإن غيرك يفعل ويستغل وقته وسوف يستغلك أيضاً، إن كنت فرداً بعدم تصرفك فتلك مصيبة وإن كنت شعباً ولم تتصرف فالمصيبة أكبر.

د.م.سنجار طعمة

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار