تطور النمو…

الوحدة : 15-4-2020

ليس في العالم شيء أشد إثارة للدهشة من مراقبة الإنسان وهو ينمو ويتطور وقد يبدو للناظرين ذلك في أول الأمر وكأنما هو مجرد عملية نمو ولكن لا يكاد الإنسان يبدأ في أداء بعض الأعمال حتى يبدو للعيان أنه يتعلم حيل الحياة وأساليبها، بيد أن هذه العملية في الحقيقة هي أشد تعقيداً وأعمق مغذى من ذلك فكل إنسان يكرر في تطوره ونموه تاريخ النسل البشري بكامله خطوة فخطوة سواء كان ذلك من الزاوية المادية أو من الزاوية الروحية فالإنسان يبدأ أولى خطوات النمو في رحم أمه كخلية واحدة دقيقة وتتكون لها خياشيم كخياشيم الأسماك بنفس الطريقة التي ظهر بها أول شيء حي في سائر البحار والمحيطات وفي أواخر العام الأول من عمر الإنسان يبدأ في تعلم الوقوف على قدميه محتفلاً بذكرى مرور ملايين الأعوام على بدء أجداده بالانتقال إلى مرحلة السير على قدمين فقط  وفي تلك الفترة أيضاً يتعلم بدقة كيف يستخدم أصابع يديه بمهارة ملفتة أسوة بمن استطاعوا بأيديهم إنجاز أشياء أعظم فائدة مما ينجزونه بالسير على الأقدام والكلام فقط ، وبعد سن السادسة من العمر يبدأ الإنسان بالتخلي عن جزء من اعتماده الكلي على رعاية أبويه ويأمل بالتطلع نحو الوصول إلى طريقة يتكيف بها مع العالم الخارجي خارج نطاق أسرته وناظراً بجدية إلى أحكام وقوانين الحياة المتمحورة في تكوين مجتمعات كبيرة تفرض التدرب على ضبط النفس والتعاون بآن واحد طبقاً للأنظمة والقوانين المرعية والسائدة بدلاً من الاعتماد على إدارة و توجيه رب الأسرة.

يختلف نمو الإنسان وتطوره من شخص إلى آخر وهو مزيج فريد ومعقد من الأنماط المختلفة ويتوقف هذا التطور في الدرجة الأولى على عنصر الوراثة الطبيعية العادية لا الوراثة الناشئة عن الأخطاء والعثرات والآثام وتكون كثيراً من الأمور الفيزيولوجية أشياء موروثة عميقة الجذور في شتى الأسر ولكنها تتفاوت في نفس الأسرة أيضاً لأن إرث الأسرة الواحدة هو نفسه مزيج من عناصر كثيرة، ويُعتبر الذكاء خلافاً للتطور والنمو الآلي أشد تأثراً بالمحيط منه بالوراثة ولعل الذكاء الذي يتناول طاقات التفكير والذاكرة لا يمكن البدء باختباره وقياسه قبل بلوغ الإنسان عدة سنوات من العمر وتُعد العلاقة بين تطور النمو والذكاء علاقة واهية بوضوح لأن العديد من الاختبارات والإحصائيات دلت على أن الذين يُبدون سيراً بطيئاً في التطور يكونون عادة من ذوي المستوى الطبيعي من الذكاء، ويعتمد التطور الاجتماعي والعاطفي إلى حد ما على المزاج الذي يُولد مع الإنسان كأن يكون هادئاً أو نشيطاً وفعالاً جداً و لكن العنصر الأساسي الذي يعتمد عليه كذلك هو التجارب التي سبق للإنسان أن اكتسبها، ومن المعلوم بأنه ليس هناك أي دليل على أن هنالك أنواعاً محددة من الاضطراب أو الانحراف الخُلقي تُعد صفات وراثية.

تأتي غريزة العناد مع الإنسان إذا أُرغم على عمل لا يريده وكذلك غريزة التأفف من قبول أي غذاء لا يحبه، يُضاف إلى أن الإنسان لا يُقبل دائماً على صنف واحد من الطعام بالقدر نفسه من الشهية ولذلك فإن إرغامه في هذه الحالة يؤدي إلى انخفاض شهيته أو فقدانها كلياً لأن الشهية تختلف باختلاف طبائع الإنسان فكل شخص يأتي إلى هذه الدنيا بقدر من الشهية ونمط من الذوق يلائم تكوينه، ويُعتبر الوقت وحده كفيل بإزالة معظم الآثار السيئة التي تتركها الصراعات مع النفس في شتى المعضلات وعموم المنغصات، ويظن البعض أن السبب الرئيسي الوحيد في السمنة المفرطة في عملية النمو يعود إلى سوء عمل الغدد ولكنه في الواقع هناك الكثير من صنوف العوامل الأخرى المؤدية إلى ذلك ومن أهمها الوراثة والمزاج والشهية والراحة النفسية والشعور بالسعادة، كما أن حالة القلق وتطلب النمو السريع وشعور الانعزال للإنسان من العوامل التي تلعب دوراً عكسياً في زيادة الإقبال والإكثار من الطعام، وبناءً عليه فإن التنظيم الغذائي مهم وضروري وكفيل لحفظ سلامة النمو وعاملاً مؤثراً في تحقيق مصطلح الصحة العامة.

 د. بشار عيسى

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار