العدد: 9557
الأربعاء: 25 آذار 2020
تُعتبر ظاهرة التضخم من أبرز التحديات التي تواجه دول العالم قاطبة، ويمكن تعريف التضخم بأنه الارتفاع الكبير في المستوى العام للأسعار شريطة أن يُعمم ذلك على شتى السلع المعروضة ولفترة طويلة وبذلك فإن ظاهرة التضخم تختلف عن الارتفاع المؤقت الحاصل في أسعار بعض تلك السلع، ويكمن جوهر المشكلة في بصمة الآثار السيئة التي تُترك على مختلف مناحي وجوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية من ناحية وأيضاً بوصفها ظاهرة مستمرة وسريعة الانتشار ويصعب السيطرة عليها بسهولة من ناحية أخرى، ويبدو أن جذور المشكلة تختلف بحسب طبيعة اقتصاد كل دولة ومستوى أدائها ومرتبتها في سلم التقدم الاقتصادي.
تُبين المدارس الاقتصادية بأن مشكلة التضخم برزت بصورة واضحة نتيجة بعض التطورات الدراماتيكية التي طرأت على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى مسيرة الاقتصادات المحلية بشكل خاص وهناك إجماع بأن هذه الظاهرة تُمثل أبرز مظاهر الأزمات المالية الحادة نظراً لشموليتها واستمراريتها، ويمكن إيجاز تفسير أسباب بروز التضخم في الاقتصاد المحلي إلى وجود اختلال في التوازن العام متمثلاً بتجاوز الطلب الكلي للاستهلاك والاستثمار والإنفاق للعرض الكلي وارتباط ذلك بمرحلة التوظيف التي يبلغها الاقتصاد، ولهذا فالحل يأتي بالتحكم بالطلب وذلك من خلال إعطاء دور محوري للدولة في هذا المضمار كما أن مسألة وجود إفراط في عرض النقود مقارنة بما هو معروض من السلع يُفقد العملة المحلية قوتها الشرائية ضمن عاصفة الارتفاع الكبير في المستوى العام للأسعار.
تشتبك في خيوط مشكلة التضخم مجموعتان من أوجه الأسباب الداخلية والخارجية اللتين تدوران في نفس الفلك ولعله من أهم الأسباب الداخلية هي ارتباط التضخم بمشكلة التخلف حيث يستمر وجود الاختلال الهيكلي في ميدان الاقتصاد من حيث جمود البنية الإنتاجية وما يترتب عليه من حقيقة تدني معدلات النمو الاقتصادي فضلاً عن وجود حالات عجز مزمنة في ميزان المدفوعات وزيادة الإنفاق العام في القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة أو على المشاريع التي لا تُسهم فعلياً في تحريك وتسريع عجلة التنمية الاقتصادية وهذا ما يُولد غالباً ضغوطاً على الموازنة العامة ولجوء الدولة إلى الاقتراض العام الداخلي عن طريق الإصدار النقدي الجديد وعدم مرونة الجهاز الإنتاجي لمواجهة مستويات الطلب المرتفعة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل واضح وانعكاس ذلك في ارتفاع أسعار المنتجات والسلع، وأما أبرز الأسباب الخارجية فتتمثل بالتضخم المستورد من الخارج واتساع رقعة الانكشاف الاقتصادي حيث تبرز نقطة حيوية وهامة تكمن في عدم استقرار أسعار الصرف وانعكاساته على الاقتصاد الذي يعتمد عليه في تقويم سائر الأصول وطبيعة الصادرات وما يتبع ذلك من ارتفاع تكاليف الاستيراد للسلع.
من الطبيعي أن ينجم نتائج سيئة واضحة على الاقتصاد تتجلى في انخفاض أغلب المداخيل الحقيقية للمواطنين وبالتالي تتأثر المدخرات بشكل سلبي ولعل استمرار حالة العجز في ميزان المدفوعات وتشجيع الاستثمارات غير التنموية وفقدان جزء من أهمية الثقة بالقيمة الحقيقية للعملة المحلية وإعادة توزيع الثروة بصور وأشكال غير مناسبة تُسبب مشكلات اجتماعية واقتصادية وحياتية ولا يخفى بأن التضخم يُبدد من مزايا التخطيط الاقتصادي نظراً لصعوبة احتساب التكاليف الحقيقية لهذه المشروعات، ومن المهم السؤال عن المسؤول عن ظاهرة التضخم في الاقتصاد فهل هو المواطن ونزعته الاستهلاكية المفرطة أم هو الخلل في السوق حيث عدم ارتقاء مستويات العرض لبلوغ مستويات الطلب أم هي السياسات الاقتصادية الحكومية فيما يتعلق بتحديد سعر الصرف فضلاً عن باقي السياسات النقدية الأخرى المعدة لمعالجة حالات العجز المالي، كما يجدر القول بأن معدلات التضخم لا تزداد فجأة ولكنها تمر بمسار تصاعدي خلال فترات زمنية قد تمتد لسنوات طويلة ولهذا فمن الضروري أولاً مراقبة الارتفاع الملحوظ في المستوى العام للأسعار وثانياً أهمية بلورة ثقافة تتعلق بإرشاد الإنفاق الاستهلاكي في مقابل تشجيع عمليات الادخار والاستثمار في المجالات الإنتاجية التي تزيد من قاعدة العرض إضافة لاتباع أنجع التجارب التنموية المستخدمة والمتعلقة بالمشاريع الحيوية في مختلف القطاعات الصناعية والزراعية.
د. بشار عيسى