العدد: 9556
الثلاثاء : 24 آذار 2020
قال الجدّ لحفيده: علينا أن نحافظ على العصافير لتمتلئ أجواؤنا بالموسيقا والفرحِ، إني أتأملها بإعجاب وأسمع أغانيها العذبة عندما نستيقظ في الفجر.
قال الحفيد: لفتَ نظري طائر ينتقل من غصن إلى غصن ويغني، جاء صياد وضغْط على الزناد فدوّت طلقة من بندقيته توقّف قلب الطائر، سكتت أغنيته، سالت منه قطرات دم قاتمة، هوى على العشب الأخضر تملكتني مشاعر حزينة، صمت الحفيد وهو يستعيد الذكرى الأليمة تعلّق بعنق جدّه وأسند رأسه إلى صدره مطمئنّاً كأنه يستظلّ بشجرة حانية.
×××
كنتُ طفلاً حين رأيتُ عصفورين يطيران بانسجام جميل ويحطّان على شجرة وهما يغرّدان معاً، جاء شاب وقذف حجراً نحوهما، سقط أحد العصفورين على الأرض قريباً منّي ارتعش جسده كما يرتعش اللهب في المصباح قبل انطفائِه وتوقّفتْ حركاته، تأمّلتُه وقد فارقتْه الحياة، حمل الصياد العصافير، ومضى بها زحف الخوف إلى نفسي وتلاحقت أنفاسي، تخيّلتُ أني عصفور قد أصابه الحجرُ فسقط جريحاً، كبرت وكرهت الصيد وكلما سمعتُ عن الصيد أشعر بأشجان عميقة تهزّ كياني.
×××
اصطحبني والدي إلى بيت صديق لي، وفي الصالة الفسيحة أخذ الرجل يتحدّث عن مهارته بالصيد وعن البراري التي يصطاد فيها والمسافات التي يجتازها وقال مفتخراً: إني آجيء بطيورٍ وحيوانات أزيّن بها بيتي كأنها أثاث جميل أو تحفٌ فنية وهي تدلّ على نجاحي في رحلات الصيد.
رافقنا الرجلُ إلى غرفة أخرى، عُلِّقتْ إلى جدرانها فراءٌ، وجلودٌ لحيوانات متنّوعة، ورؤوس لغزلان تعيش في الصحراء، وعلى طاولة رأينا طيوراً نادرة محنّطة وعصافير صغيرة كقلوب الأطفال، أحسستُ أني ريشة في مهبّ الريح ارتعشتُ مسح والدي رأسي بكفّه، وغادرنا البيت وأنا أعاهد نفسي على الوقوف في وجه الصيادين عندما أصبح كبيراً.
عزيز نصّار