الشعر الشعبي في الأدب العربي القديم

رقــم العــدد 9554
الخميــس 19 آذار 2020

 

اتجه الشعر العربي القديم في أواخر القرن الأول الهجري إلى الحالة الشعبية في اتجاهاته، وذلك بفعل عوامل مختلفة تتعلق بتطور المجتمع العربي في ذلك العصر، وظهور شعراء كان لهم تأثير كبير في اتجاه الشعر نحو الشعبية، وهذا الأمر لم يكن هبوطاً بفن الشعر، وإنما كان تطوراً طبيعيّاً يساير روح العصر وطبيعته، وهذا يثبت أن شعرنا العربي كان متجدداً ومتطوراً ينبض بالحياة، وتجدده أصبح صدى لهذا التطور الجديد الذي شمل الحياة بأبعادها المختلفة.
وفي دراسة لبعض من الشعر العربي نجد أنه تحلّل من قيوده القديمة في لغته وموضوعاته وأسلوبه، وتحلّل أيضاً من بعض القيود الاجتماعية، وبدأ يميل إلى التحرر في التفكير والتعبير، ليكون جديراً بمجتمع متطوّر ومتحضر، ويرى أحد المستشرقين الألمان أن (الشعبية) وجدت في التعبير الأدبي للمرة الأولى أيام هارون الرشيد ومن خلال الدراسة الأدبية اتضح أن اللغة الشعبية بدأت تقتحم مجال التعبير الأدبي قبل عصر هارون بكثير، وكان الاتجاه العشبي تطوراً جديداً لابد منه ليواكب الشعر، ونقدّم في مادتنا هذه بعض النماذج كدلالة على الشعر الشعبي آنذاك، ونرى في شعر أبو الشمقمق شعبيته الواضحة فهو من أعظم شعراء عصره تعبيراً عن الفقر، وخروجاً على التقاليد الشعرية التي ظلّت باسطة سلطانها في العصر الأموي في المعنى والأسلوب إذ يقول في أحد قصائده:
برزت من المنازل والقباب
فلم يعسِر على أحدٍ حجابي
فمنزلي الفضاءُ وسقف بيتي
سماء الله أو قطع السحاب
فأنت إذا أردت دخلتَ بيتي
عليَّ مسلمّاً من غير باب
وتتضح النزعة الشعبية في شعر أبي نواس حيث نجدها في خمرياته ومجونه ولهوه وفي شعره الذاتي كما في قوله:
ومن غاب عن العين
فقد غاب عن القلب
أما هجاء أبي النواس فتتضح فيه النزعة الشعبية إلى حدّ كبير كما يتمثل لنا في قصيدته التي يقول فيها:
يا كتاباً بطلاقٍ
يا عزاء بمصابه
يا مثالاً من هموم
يا تباريح كآبه
يا رغيفاً ردّه البقال
يبساً وصلابه
ويعدّ أبو العتاهية شاعراً شعبياً في موضوع شعره وفي أسلوبه فقد صوّر مشكلة الفقر وتحدث عن هذه الظاهرة باعتبارها مشكلة شخصية ولكن باعتبارها مشكلة يعاني منها مجتمعهم حيث قال:
من مبلغٍ عني الأمير نصائح متوالية
وأرى هموم الدهر رائحة تمر وغادية
وأرى المراضع فيه عن أولادها متجافية
وأرى اليتامى والأرامل في البيوت الخالية
ويصف لنا إبان بن عبد الحميد اللاحقي وهو شاعر من بني رقاش، أكثر من مدح البرامكة واتصل من خلالهم بالرشيد حيث قال واصفاً الفرح الشعبي:
واللوز والسكر يرمى به
من فوق ذي الدار وذي الدارة
وأحضروا الملّهمين لم يتركوا
طبلاً ولا صاحب زماره
وتظلل شعر عمرو الوراق روح شعبية صادقة صوّرها لنا بأسلوبه الشعبي البسيط عن الفخامة والجزالة ويصف فيها البلوى التي عمّت أهل بغداد، وما آل إليه من سوء حال:
الناسُ في الهدم وفي الانتقال
قد عرض الناس بقيل وقال
يا أيها السائل عن شأنهم
عينك تكفيك عن السؤال

ندى كمال سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار