وقـال البحــــــر.. ثلاث قلاع تتحدّث

العـــــدد 9551

الإثنــــــين 16 آذار 2020

 

أنا قلعة دمشق، اتّخذ مكاني في الزاوية الشرقية من المدينة، بين بابين من أبوابي يمتدّ باب الفرج في الشمال، وباب النصر في الغرب، وقد هدم السلطان الملك العادل القلعة القديمة، وأعاد بنائي مكانها، فأصبحتُ قلعة حديثة وفق مخطط جديد، وأسرع الملك ببناء أسواري، وجعل فيها اثني عشر برجاً وبدأ البناء في سنة 1202 ميلادية وانتهى بعد خمسة عشر عاماً.
أبوابي أربعة وهي مبنية بحجارة كلسية وحجارة سوداء من البازلت، وأنا أتّصف بضخامة البناء وقوته، أبراجي مرتفعة وجدراني سميكة.
سكتتْ قلعة دمشق قليلاً وتابعت حديثها: تحمي القلاعُ الناسَ من الأعداء، ويقاوم الرجال الشجعان الظلم والاعتداء لأنهم يحبّون الوطن.
***
أنا قلعة حلب مثال للهندسة العسكرية، وأنا أشبه الفنجان داخل صحن، الفنجان هو شكلي، والصحن هو مدينة حلب، في سنة 636 ميلادية استطاع العرب بقيادة خالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح الدخول إليّ وأعادت وزارة الثقافة إصلاحي، فأصبحت مكاناً يزورني السيّاح ويأتون من بلاد بعيدة.
أنا قلعة حلب أرتفع عن مستوى المدينة حوالي ثلاثة وثلاثين متراً فوق تلّ، ويحيط بي سور حجري فيه أربعة وأربعون برجاً حجرياً من أحجام مختلفة، يقود بابي إلى برج مستطيل الشكل ، وبابي حديديّ عليه كتابة تبيّن تاريخ صنعه في عهد الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي.
يبدأ شارعي الرئيسي من الشمال إلى الجنوب، على اليسار قصر وحمام، وعلى اليمين قاعة كبيرة تحت الأرض.
قسمها الأسفل محفور في الصخر، ولها أربع فتحات للنور، والتهوية، أنا صامدة منذ الأزمنة القديمة، وقد أحسست بالفرح والسعادة حين بنت وزارة الثقافة في أحضاني مسرحاً حديثاً حسب الطراز الروماني عام 1980 ميلادية.
يتّسع المسرح لثلاثة آلاف متفرّج. تقام فيه مهرجانات واحتفالات دائماً فيمتلئ الفضاء بالألحان، والأغاني الجميلة.
***
أنا قلعة الحصن كانت الحروب عنيفة من أجل السيطرة عليّ فقد أراد الفرنجةُ الغزاة البقاء وقد قاتلت الجيوشُ العربيةُ الإسلامية بشدّة وقوة وشجاعة لاسترجاعي وأتّصف بحجمي الضخم وبنياني، وأنا ما زلت صامدة، تصفر الرياح في ممرّاتي، وتكوي الشمس حواجزي العالية.
تنتصب سلسلة جبال الساحل السوري شمالاً، وهي صعبة الاجتياز لوديانها الوعرة التي تهبط باتجاه البحر، وتبدو سلسلة جبال لبنان جنوباً ويبلغ ارتفاع إحدى قممها 3088 متراً، وأنا قلعة الحصن مبنيّة على حصن قديم، وانتصب فوق تلةٍ تبعد عن طريق حمص طرطوس 27 كيلو متراً ، تقع بلدة الحصن في منتصف المنحدر، وفي أحضاني صالة كبيرة للاجتماعات، وصالة أصغر حجماً كانت تستخدم كمخزن للمؤن التي كانت وافرة، وهناك صالة أخرى عجيبة بهندستها، وتشتمل على المطابخ، وغرف الطعام يدخل إليها النور عبر فتحات، وتتبع في الوادي المجاور لي مياه يقولون إنها تشفي، وتعالج المرضى.
يسمّيها سكان المنطقة الفوّار العجيب، يبلغ ارتفاعي عن البحر 650 متراً وأبعدُ 65 كيلو متراً عن مدينة حمص و75 كيلو متراً عن مدينة طرطوس. أقول لأحبائي إني أطل على الحقول والأشجار التي تمسك جذورها بأرض الوطن، وحين تكبرون ستدافعون عن سنابل القمح والبيوت والحمامات، والعصافير التي تتخذ أعشاشاً لها في أحضاني وستدافعون يا أحبائي عن كل الأشياء الجميلة كما دافع آباؤكم وأجدادكم.

عزيز نصّار

تصفح المزيد..
آخر الأخبار