وقـال البحــــــر..أهمية بناء القيم ما بعد الحرب

العدد: 9550

الاحد:15-3-2020

 

يكثر الحديث عن إعادة بناء الوطن مادياً بعد الحرب، ويتم تجاهل بناء الإنسان الذي يشكّل القيمة الكبرى في استمرار الوطن، والحامل الرئيس لعملية البناء والنهوض والثبات، وهذه القيمة التي تشكل الكينونة الوجودية للوطن هي أكثر ما تضرر في زمن الحرب، وهي مسألة تأتي اليوم في صلب أهم التساؤلات الفلسفية والثقافية والسياسية، لأن بناء الوطن في مفهومه الحضاري والاجتماعي وفي مفهومه المادي، يبدأ ببناء الإنسان، وأن تجاهل بناء الإنسان من الداخل يعني موت كل الخصائص والمكتسبات والنضالات التي تحققت في مواجهة التحديات التي واجهت الوطن في زمن الحرب.
في مطلع القرن الواحد والعشرين، وبالتحديد بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، وتصاعد المد الاستسلامي في الوطن العربي المعادي للعروبة وقيم النضال القومية، بدأنا نشهد انهيار مشاريع القيم الكبرى النضالية وعلى رأسها مشروع بناء الأمة العروبي والثقافي والنضالي، والعمل على تأسيس لبرامج ومشاريع فلسفية تقوم على التكفير والدم والقتل وإقصاء الآخر، وقيام عدد كبير من المثقفين والسياسيين الموظفين وفي مشروع انهيار القيم النضالية للأمة بالتحول إلى هدامين في جدار التفكير النضالي الذي تصاعد وارتفع بناؤه في دمشق وفي أماكن متفرقة من الوطن العربي الواسع.
إن الحرب على سورية بالتحديد، أضرت كثيراً بثوابت الأمة، وخلقت تحولات خطيرة في مفهوم قيم النضال والعروبة ووحدة الأمة ودور الأحزاب القومية والعروبية، ودور المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية والتشريعية، وفي قضايا إيمانية شكلت تاريخياً علاقة ارتباط بين الدين والوطن وبين الدين والعروبة وبين قيم الإيمان بالرسالة الخالدة للأمة وبين مفهوم الدفاع عن الوطن في مواجهة أعدائها وعلى رأسها الصهيونية والغرب الاستعماري.
والسؤال: هل يمكننا أن نعيد بناء الوطن مادياً قبل إعادة بناء الإنسان من الداخل؟ في قناعتي أن أي محاولة بناء مادية تتجاهل بناء الأنسان ثقافياً وسياسياً واجتماعياً لن تنجح، نحن اليوم بحاجة إلى إعادة بناء فكري وثقافي وسياسي واجتماعي تبدأ من الأسرة والمدرسة وعبر المنظمات التي تعنى بالطفل والشباب وفي الجامعة، وذلك ببناء مشروع متكامل تنهض به جهات لها طابع رسمي ومنها الأحزاب السياسية العلمانية وجهات الثقافة والإعلام والتربية وإلى جانب تلك الجهات، الجهات التي تعنى بالجانب الأمني للإنسان، فالمجتمع الذي لا يسوده الأمن يظل مجتمعاً مصاباً بالقلق والخوف.
نحن لا نريد أن نبتكر قيماً جديدة ليست من واقعنا وتاريخنا، أو أن نحمل القيم الموروثة كما هي ثم نقوم بتجميلها وإعادة طرحها، إن بناء الإنسان في زمن طغيان المشاريع العدوانية التي تعمل على تهديم الإنسان العربي من الداخل وقتل الهوية والوطنية والعروبية قبل تهديم الشجر والحجر يحتاج إلى بناء مشروع ثقافي وسياسي واجتماعي والتركيز على مسائل الانتماء وتفعيل هذا الانتماء نضالياً وأخلاقياً وسياسياً، وإرساء أسس ديموقراطية لتحقيق تفتح الذات في الإطارين الخاص والوطني العام.

سليم عبود

تصفح المزيد..
آخر الأخبار