رقعـــــة فســـــتان لحيـــــاة أفضـــــل…

رقــم العــدد 9549
الخميـس 12 آذار 2020

 

خياطة الملابس مهنة شاقة، ولها من الصبر على الجلوس لساعات طوال، وتحتاج منك الذوق واللياقة واللباقة في تعاملك مع القماش ولينه وحريره، والخبرة تطفي عليها جمالاً ونعومة لقد الحسان ولو كان بهن خصاصة..
السيدة ريم ديب، رافقت الإبرة والخيط سنوات طوالاً، وعلى مكوك أيامها شجون وفنون وما بينهما حسن وجمال تقول: أحببت الخياطة بداية كموهبة شغفت بجوانبها وأطرافها وألممت بما فيها لأكون خيّاطة ماهرة طوال هذا العمر، فكانت مورد عيشي ورزقي، أؤمن خبز الأولاد وحاجاتهم اليومية والحمد لله.
كنت بداية ألتمس فيها الهواية وشغل أوقات الفراغ، وسرعان ما تحولت إلى حرفة وصنعة عندما بدأت الجارات بإبداء الإعجاب على بعض ما أنتجته وطلب الشراء، فما كان مني بإلحاحهن غير أن أبيعه لهن، ولما ازدادوا علي بدأت أخيط لهن الفساتين والجاكيتات وحتى أني أعيد صياغة الفستان لحفلة أخرى وأغير ما فيه ليبدو جديداً، وفي سنوات الحرب البغيضة هذه قلت الخياطة وكثر تدوير الملابس ورقعها واستحداث موديلات تليق بما خربته الأيام فقد رأينا البنطال المشقق والبالي الشفاف، فكان عند الفقير فرحاً شديداً وهو المزين به، أما بعض السيدات وعددهم قليل جداً اليوم هن يخيطن عندي شرط أن تكون على الموضة، وهو ما يدفعني لأبحث في النت عن آخر الصيحات وأقدمها لهن أو يأتين لي بالموديل الذي تريده كل منهن، كما تحضر معها القماش والزينة والأزرار.


لكن وراء كل هذا التعب هناك من تنهرك على عملك ولم يكن بالصورة التي أرادتها، أو لم يعجبها القماش على تلك التفصيلة وقد لا يعجبها الأجر الذي أخبرتها به مع أن كل شيء قد ارتفع سعره وأجره، الصوف والأقمشة والخيوط، وأنا مثل كل العاملين أقعد لساعات طويلة من النهار والليل وراء ماكينة الخياطة حتى عيوني عميت، وأنا أسكن في الريف أي أنه يجب أن تكون أجرتي غير من تعمل في المدينة كما أن التفصيل قليل، فكل شكل ولون متوفر بالسوق وبسعر أقل من التفصيل، لكثرة المشاغل والمصانع التي تؤمن حاجة السوق وطلبه، لكن البعض القليل من الفتيات يرغبن بمجاراة المشاهير، فتكون مميزة وفريدة بين بنات جيلها وضيعتها الفقيرة.
بعد الانتهاء من واجباتي المنزلية أجلس كل يوم وراء الماكينة برفقة القماش والخيطان بدل التجوال في حارات القرية وإضاعة الوقت، مهنة الخياطة ليست سهلة كما تظن بعضهن، هي هندسة بكل ما تعنيه الكلمة هندسة الجسم ورسم تفاصيله واحتساب تضاريسه، وتحتاج لتركيز ومتابعة وتصميم واستقراء ما تريده الزبونة دون تعتيم على الموديل وتصريح، هي السهل الممتنع لتحويل القماش المسطح الخالي من الحياة إلى مجسم بطيات وانحناءات يشعر به كل من يراه، إن الخياطة تحتاج لذوق ومهارة وخبرة مع الصبر الشديد، وأتمنى من كل فتاة ليس لديها عمل أن تلجأ للخياطة فإن لم تعمل بها وتسترزق فعلى الأقل تنفعها لأجل بيتها وزوجها وأولادها تصلح لهم ثيابهم وتخيط ما يطلبونه وبذلك لها فيها التوفير، وأتمنى أن نحافظ على هذه المهنة ولا يصيبها شرّ الزوال كما غيرها من المهن والصنع في عصر يريد كل شيء جاهزاً.

معينة أحمد جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار