العدد : 9547
الثلاثاء 10 آذار 2020
هي ليلةٌ، تُعشب فيهـــــــــا الأمســـــــــيات، تنــــدى فيهــا الكلمات، ويورق فيها الحديث والسمر . . هي ليلةٌ، تستفيق فيها الأحلام فوق شفاه الحروف، تتوغَّل الأمنيات والأماني في قصيدة أو حكاية أو خاطرة . . وكنت أرى كيف يشرق الفرح في داخلي، وتكاد تنطلق الزغاريد.
هي ليلةٌ، ألقتني على شرفتي، أتملى القمر قبيل اكتماله، أحملق في النجوم المتناثرة وتأخذني رائحة الليمون بعيداً . . بعيداً.
تمليت المدى، أخذتني نشوة لم أعرفها منذ عقود، مددت يدي إلى فنجاني الفارغ من قهوته، تسمرت يدي على الفنجان، جحظت عيناي، وأحسست بقلبي يكاد يتوقف، وبعد لأيٍ قلت: من أنت؟ وما الذي أحضرك في مثل هذا الوقت؟
نظر إليّ بمودة وقال: كأنك لم تعرفني؟ ومن أين لي أن أعرفك؟ هي المرة الأولى التي أراك فيها . .
أخطأت يا صديقي، إنك ولسبعين عاماَ مضت لم تفارقني يوماً، العلةُ في عينيك،
أعيد سؤالي: من أنت؟ أنا أنت يا صديقي من؟ أنا أنت؟
أجل، لا تجادلني، دعنا نتسامر . . يكاد الفجر يشقشق، وتطلب إليّ مسامرتك؟
أجل، كأنك لم تسمع ما تقوله الحكمة القديمة؟
وماذا تقول الحكمة القديمة؟
تقول: كن حليماً كما الأرض، وإلا فادفن في جوفها كل ما قرأته من الكتب.
حسناً وما غير ذلك؟
أعرف أنك شاعر وروائي، وهذا تنوع ثقافيٌ جيد، فهل لك أن تشرح لي معنى التنوع الثقافي؟
التنوع الثقافي هو الحاضن لأسس الحضارة الإنسانية.
صدقت، وثقافة اليوم، ماذا تعرف عنها؟
هي ثقافة العولمة، ثقافة سيطرة القوي على الضعيف
وماذا عن مصادر الثقافة؟
الحياة بعناصرها تشكل مصدراً أساسياً للثقافة الحقيقية، وهي القادرة على مواجهة تحديات الأمر الواقع، ثمة مقولة تقول: إن تطور الوعي يطور أساليب العيش، يقول شيشرون وهو كاتب إفرنجي، بيتٌ بلا كتب كجسد بلا حياة وتابع: بالمناسبة، هل تعرف ما ينال الفرد في بلادنا العربية من الكتب؟
أعرف في أوروبا حصة الفرد (35) كتاباً وفي السنغال (8) وفي بلداننا العربية كتاب واحد لكل أربعين شخصاً
لقد أتعبتني . . ها قد طلع الفجر، تصبح على خير.
سيف الدين راعي