وقـال البحــــــر…بـــين جيلـــين

العدد: 9543

الأربعاء: 4 آذار 2020

 

الأبناء صهيل الآباء الآتي من خيل الأيام وخميرة العُمر السائر في دروب الحياة، ومنذ لحظة خلق الإنسان في مشواره من المهد إلى اللحد وبدء رضاعة الوليد تنمو الفطرة السليمة بالوضع الطبيعي وتكتمل المعارف ويتبلور الوعي وتتشكل لوحة المجتمع بكل أجياله وشرائحه العمرية.
يَتوجب التفكير العميق في ماهية العلاقة بين الأجيال الصاعدة التي أصبحت مختلف ميادين العلوم ومجالات التعبير والمعرفة متاحة لها في زمن انتشرت فيه وسائط الإعلام المتعددة ووسائل التواصل المختلفة وآليات التعلم والتعليم عبر الأنترنت والفضائيات وبين عموم الأجيال التي قبلها والتي لم تتابع مجمل هذه الطفرة الهائلة من المعلومات وفُرص إقامة شتى العلاقات وشبكات التواصل السريع، ولذلك من الطبيعي في هذه الأيام محاولة إزالة هذه الفجوة بين الأجيال من خلال تقريب كل جيل من الجيل الآخر بأساليب مقبولة وطرق معقولة وليس عبر تمرد الجيل الجديد على الجيل الذي سبقه أو عبر الهيمنة والسطوة التي كان يفوضها المجتمع للآباء على الأبناء.
يتمتع جيل الشباب بالنشاط والحيوية والاندفاع ولديه أمل وشغف في مستقبل يضمن له حياة كريمة وعيشاً رغيداً ولدى الجيل الذي قبله تراكم الخبرة وعُمق التجربة وميزة الحكمة في معالجة الأمور ولذلك من الجميل أن تمتزج كل تلك الخصال في نواة المجتمع المعروفة باسم الأسرة وما أروع اجتماع أفراد الأسرة لمناقشة كل القضايا بهدوء واتزان والتشاور في مختلف الأمور المعيشية والاجتماعية والمادية حيث يُدلي الأبناء بآرائهم التي قد تكون أكثر انسجاماً مع واقع الحياة الراهنة من آراء الأبوين دون حرج ويَعرض الوالدان وجهة نظرهما بكل محبة دون محاولة فرض الرأي.
لقد آن الأوان للاعتراف بحق الجيل الجديد في التعبير عن آماله وأحلامه ومشاركة أفراد عائلته في التخطيط لمستقبله واستبدال لغة الفرض والإجبار بلغة المناقشة والإقناع واختيار جو الوئام والاحترام عوضاً عن جو الترهيب والاستبداد وليعلم الجيل الأكبر سناً أنه لم يعد يملك حق فرض وجهة النظر على جيل تغيرت قناعاته ومفاهيمه في عصر يتسم بطابع التطور العلمي المتسارع وتداخل وتمازج الثقافات بشكل لم يسبق له مثيل و لكن في نفس الوقت يجب الانتباه إلى أنه ليس للجيل الجديد مطلق الحرية في كل ما يفعل فلا حرية مطلقة لأي إنسان على وجه البسيطة لأن مفهوم الحرية مرتبط دوماً بأُسس الحق والعدالة والحرية مقيدة بواجب الإنسان تجاه الآخرين ومرتبطة بأعراف وتقاليد ومعتقدات المجتمع التي لا بد أن تُحترم لأن للمجتمع كرامة يجب أن تُصان وهوية من الضروري أن تُحفظ و تَتميز عن سواها.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار