تســـول الأطفـــال… مشـــكلة آخـــذة في النمـــوّ

العدد 9542
الثلاثاء 3 آذار2020

 

التسول ظاهرة سيئة متفشية في الكثير من المجتمعات ومنها مجتمعنا وهي قديمة في حياة الشعوب تظهر وتختفي حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وتتسول الأطفال واحدة من المشكلات الاجتماعية الآخذة في النمو والتزايد، قضية مقلقة تمس الطفولة التي هي أساس المجتمع وعماده ومستقبله.

تحفل الكثير من الشوارع والطرقات والحدائق والتقاطعات المرورية والإشارات الضوئية وأبواب الجوامع والكنائس والكراجات والموافق وجسور المشاة المزدحمة بأطفال صغار بعمر الورد يفترشون الأرض والأرصفة لاستدرارعطف الناس وتفريغ جيوبهم، أطفال تركوا مقاعد الدراسة بفعل عوامل كثيرة منها التفكك الأسري وجهل الأهل وغياب الوعي والفقر والبطالة والتهجير والنزوح القسري للحصول على لقمة، يريدون أن يقاسموا المواطن لقمته المغمسة بالقهر وعضة الشقاء لتوفير مصدر دخل سهل لهم أو لأسرهم ومشغليهم.

  

الفقر والحاجة والأوضاع الاقتصادية الصعبة والقاسية على الكثير من الأسر في مجتمعنا ليسوا السبب الرئيسي لتسول الأطفال وانجرافهم، بل هو جشع المشغلين المستغلين للطفولة وحرمتها وتزايد أعداد الأطفال الفاشلين المتسولين في الشوارع وصار التسول فن وبدعته تدار من قبل شبكات منظمة لأنها تدر الأموال السهلة والربح الوفير، حيث تطالعنا مناظر مؤذية كثيرة مقلقة لراحة المواطن ففي الكراجات مثلاً لا يغادرنا طفل متسول أو آخر يحمل مجموعة كبيرة من القداحات أو العلك أو البسكويت أو الشوكولا يلاحق الناس كظلهم يريد أن يبيعهم بضاعته غير اللازمة لهم عنوة ورغماً عنهم، حتى يأتي طفل جديد ليرفع ضغطنا ويستفزنا ويزيد نسبة الملوحة في دمنا من جديد، البعض يقع في شراكهم ويشفق عليهم ويعطيهم وآخر يصرخ بوجههم وآخر ينهرهم.
حتى عمالة الأطفال الصغار وبيعهم العلكة والدخان هو نوع من التسول المقنّع بأشكال مختلفة والنصب والاحتيال لجمع الاموال باسم الطفولة والحاجة ولإخفاء أغراض أشد وطأة وسوءاً حيث يوجد أشخاص أعماهم الجشع والطمع يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي والفيسبوك عبر صفحات وهمية وأسماء مستعارة يقومون باستغلال الطفولة وبراءتها بتصوير وفبركة صور لأطفال ذوي إعاقة ومرضى ومحتاجين للمساعدة الفورية وذلك لإثارة عواطف الناس على أنهم بحالات إنسانية صعبة واستغلال هذه الصور لجمع التبرعات والهبات عبر حوالات مالية على هواتف محددة لتقديم الرعاية الصحية العاجلة لهم… علينا عدم الاستجابة لهذه الدعوات المضللة التي تستغل هذه الحالات والمساعدة في كشف مرتكبيها.
تسول الأطفال بيئة حاضنة للانحراف والشذوذ وإنتاج جيل مشوه فاشل يصبح عالة على المجتمع والوطن، والتسول ليس ظاهرة اجتماعية مرتبطة بموسم محدد أو مؤقت ويمضي لكنها وباء اجتماعي وإزعاج للمواطن الذي يعاني ويلات الفقر والحاجة وجنون الأسعار وجشع التجار، وبين جهل الأهل وظلم التجار وجشع المشغلين تلقي بهم الظروف القاهرة على الإشارات المرورية وبين السيارات والمارة، حتى أن التسول طريق مختصر معبد للجريمة والجنوح وعندما يتسول الطفل يصبح عرضة للوقوع في كافة أنواع الآفات الاجتماعية والتعرض للحوادث وأخطار الاغتصاب والقتل والاتجار بهم وبيع أعضائهم.
التسول يحرم الأطفال من التمتع ببراءة الطفولة وحق النضوج الآمن والتعلم والدراسة ومن أسبابه الرئيسية تدني مستوى الوعي وضعف الإرشاد لدى الأهل وهجر الوالد للأسرة والزواج بأخرى وترك الأطفال يواجهون مصيرهم القاتم إضافة للفقر والتفكك الأسري وضعف الروابط الاجتماعية والحروب والنكبات والكوارث الطبيعية والحياة بعيداً عن رقابة الأسرة والمدرسة، وأصحاب السلوك العدواني وحب المغامرة وانحراف السلوك الفردي من سرقة وتعاطي كحول وتدخين وإدمان حبوب ومخدرات.
علينا الاهتمام بالطفولة باعتبارها مرحلة انتقالية لتشكيل شخصية الفرد ومستقبله والتصدي وتطويق هذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع والتوعية لمخاطر وأضرار التسول الجسيمة على الطفل والأسرة والمجتمع وتشجيع المتسولين للعودة إلى مقاعد الدراسة وتجفيف منابع الفقر والبطالة المؤدية إليه.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار