العدد : 9530
الأحد : 16 شباط 2020
في بيت حفظت جدرانه تاريخ أسرة عريقة في فنون الأدب وألوانه، وعلقت على كتب كثيرة ضمتها أدراجه ومكتباته رائحة العشق للإبداع والوطن، سنواته التي جاوزت الثمانين تفيض شباباً وهمة وألقاً وهو يتحدث بلغة فصيحة عن لغة عشقها وهام في حبها.
ليست لديه طقوس معينة للكتابة، لا ينتظر الإلهام ليأتيه ولا يخرج للبحث عنه، إنها رغبة داخلية عندما تأتيه ينهض للكتابة، وإن لم تأته فهو حيث هو، والإلهام دائماً رفيق الرغبة، معها يظهر ومعها يختفي.
بتلك الكلمات بدأ الأديب السوري محمد سعيد إسبر الذي حاورناه وسألناه فأجابنا:
* ما الذي تجده في قصابين ولا تجده في أي مكان آخر فيدفعك للبقاء فيها؟
** قصايين أول هواء تنفسته، وأول تراب مسّ جلدي ترابها، شمسها شمسي الأولى وبدرها مصباحي الأول، فيها نبتُ كشجرة من أشجارها فنمت غصوني واخضرت أوراقي بفضل ما منحت جذوري من غذاء، لذلك أحببت البقاء فيها زمن شيخوختي لأثأر لها من زمن صباي الذي أمضيته خارجها.
* شجرة الورد لك وتحت شجرة بوذا لابنتك فرات… هل تركت قصابين والحياة فيها الرغبة في زراعة أشجار المحبة والإبداع في نفوس آل إسبر؟
** إلى جانب عملي التعليمي أنا مزارع، وأمام بيتي أرض غرست فيها أنواعاً من الأشجار المثمرة وأحب هذه الأشجار وأدللها وأنقحها كأنها قصيدة وربما كانت ملهمة لي في تسمية روايتي (شجرة الورد) التي أقول فيها: إنها رواية ضد الشر مطلقاً، ودعوة إلى خير الإنسانية كلها وقد اخترت التسمية طمعاً بعالم يشبه عالم الورد لوناً وعطراً وزينة وسلاماً.
أما الإبداع في نفوس آل إسبر فالكلام فيه يحرجني لكن باختصار نحن أسرة تحب الناس جميعاً ولا ننتمي لأي لون من ألوان التعصب، نؤمن بالإنسان وإنسانيته فقط.
* مع وجود أسماء كثيرة في العائلة في عالمي الأدب والفن (أنت وشقيقيك الشاعر أدونيس والتشكيلية د. فاطمة، وأبناؤك و.. هل يمكن القول إن الإبداع يورث أم أنه يكتسب من البيئة المحيطة؟
** لاشك كما يقول العلم إن للوراثة دوراً في الصحة والمرض، إذاً لابد أن يكون لها دور في المواهب، لكن هذا الدور ليس عاماً إنه يشمل البعض ويتجاوز الآخر.
بالنسبة إلينا ورثنا الإبداع وحب اللغة من والدنا الذي نشر قصائده في مجلات عربية كمجلة (العرفان) ومجلات صادرة في المهجر، وله ديوان شعر غير مطبوع، الوراثة موجودة لكنها لا تكفي مالم يرافقها جهد متواصل وعمل دؤوب.
* اللغة العربية تنزف، برأيك وكيف نداويها وأنت الذي ألفت (الشامل في علوم اللغة العربية ومصطلحاتها)؟
** لقد شاركني الزميل بلال جنيدي في وضع المعجم الشامل، وهو كغيره من المعاجم التي تحتاج في وقتنا الراهن إلى إعادة نظر وتدقيق فما زالت في معاجم لغتنا العربية ملاحظات نقدية كثيرة وشديدة.
أما نزيف الجراح في لغتنا العربية فإنه يشتد غزارة يوماً بعد يوم لأسباب عدة منها:
– البيت: فبيوتنا تسودها اللهجة العامية ونادراً ما يسمع الطفل كلمة فصيحة أو عبارة صحيحة في مرحلة تكوينه الأولى.
– التعليم الأساسي: لا توجد كفاءة لدى كثير من الذين يمارسون مهنة التعليم في المرحلة الأساسية لنقل اللغة بشكل سليم إلى التلاميذ.
– صرف الاهتمام إلى تعلم اللغات الأجنبية أكثر منه إلى اللغة العربية.
– التبسيط الكثير في برامج اللغة العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وعدم التشديد في وضع الدرجات مما يؤدي إلى تخرج طلاب يحملون الثانوية وهم لا يحسنون الكتابة ولا القراءة ولا يفهمون شيئاً من أسرار البلاغة وعلوم المعاني وأحكام الصرف والنحو، ولا أبالغ إذا قلت إن خريجي الجامعات بعضهم لا كلهم لا يحسنون القراءة، أين خريجو اليوم من خريجي الخمسينات والستينات، البعد شاسع.
– إن أجهزة البث الإعلامي تحتاج إلى إشراف لغوي بحيث تصل اللغة إلى آذان المستمعين سليمة من الأخطاء، يجب إقامة دورات تدريبية لبعض المذيعين على أيدي أساتذة مختصين.
– التشدد في تعليم اللغة وعدم التساهل مع الطلاب في تلقيها والمحاسبة عليها في جميع فروع الجامعة.
– يجب أن يكون هناك توجيه تربوي يهتم بلغتنا العربية ويشجع عليها وإقامة الندوات والمباريات التي تمنح فيها الجوائز لمن يتفوق بها.
* أين نجد المرأة في شعرك؟
** لم أنظر إلى المرأة يوماً كامرأة مفردة في شعري، أي كما يرى المحب محبوبته، أو العاشق عشيقته أو الصديق صديقته، المرأة في شعري كون عام ومظهر شامل من مظاهر الوجود، هي التي تزين هذا العالم وتمنحه بهجته ومحاسنه، وفي قصائدي عنها أنظر إليها كحواء أم الجميع وحبيبة الجميع وفي هذا أختم حواري بقولي:
قولوا لآدم ما تجدي ذكورته
لولا الذي كان من تأنيث حواء
مثل التراب بلا زرع ولا ثمر
إلا إذا أدركته رحمة الماء
نور نديم عمران