مســـــــــامات العطــــــر والضـــــــوء

العـــــدد: 9519

الخميس: 30 كانون الثاني 2020

 

لم يسعفني (غوغل) هذه المرة في ملء فراغات الذاكرة بالعطر والضوء، وكنت منذ مدة كلما تذكرت أغنية قديمة أو مسلسلاً أثيراً، أسرع بشغف إلى جهازي وأكتب اسم ما أريد استحضاره ليمر شريط الذاكرة أمامي كسحابة صيفية سعيدة، أحملها رسائل الشوق وأعرف أنها لن تمكث طويلاً فوق شرفتي!
(بائع الحلوى) ذلك الرجل الذي كان يأتي إلى قريتنا المتواضعة، يدفع عربة صغيرة وكنا نحن الأطفال ننتظر قدومه بفارغ الصبر، وقد أصبحنا أصدقاءه رغم تباعد أعمارنا، وكنا نسمع الكبار يتحدثون عن طريقة لمساعدته مادياً لأنه عاش يتيم الأبوين، ويعلموننا احترامه وكأنه قديس..
لم أعد أذكر اسمه أو ملامح وجهه، لكني أذكر أنه غاب في ليلة شتائية باردة تشبه أيامنا هذه وكان أبي يقول أنه صعد إلى السماء!
(وجه جدتي وأصابعها) وهي تعد أقراص العجين في الصباحات الباكرة، ونحن ننتظرها بشوق كي تصنع لنا (فطائر) الزيت والسكر وكأن شفاهنا لم تتذوق منذ تلك الأيام حلاوة بطعمها!
رحلت جدتي، وورودها التي كانت تسقيها من ماء القلب، أخدت معها أشياء وذكريات جميلة لن تعود في زمن التكنولوجيا، ولن ينفعنا استحضارها مهما حاولنا أن نستعير ما يشبهها على مواقع البحث الحديثة!
لن يسعفنا الضغط على زر البحث في غوغل في استعادة وجوه الأحبة وعناوينهم ولحظاتنا الصادقة معهم.. لن يسعفنا في إعادة ترميم أرواحنا المتصدعة، ولن يزيل تلك الكسرة الظاهرة في آخر خواطرنا… لن يشفي جروح الذاكرة أي استحضار قسري أو مصطنع.. لأن الحب وحده هو من كان يضمنا ويرفعنا بذراعيه إلى أبعد سماء!

منى كامل الأطرش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار