بين دمشــــــــــــــــق وطهـــــــــــــــران…

العـــــدد:9518

الأربعـــــاء 29 كانون الثاني2020

 

إلى إيران التي نسير معها إلى عزة غدنا كانت وجهتنا، زيارتنا التي جاءت بدعوة كريمة من الجانب الإيراني، وفي إطار التعاون مع اتحاد الصحفيين – زيارتنا كانت أشبه باكتشاف لبلد عظيم بسمعته وحضارته يتوضع في الشرق الآسيوي ويدير بكفاءة عالية علاقاته وخلافاته مع العالم، فإيران ومنذ أن قامت الثورة الإسلامية 1979 وقفت في وجه التنين الأمريكي عصيّة على الابتلاع و الارتهان والتهميش ولا يمكن لأي متعامل مع قضايا المنطقة أن يقفز فوقها أو يتجاهلها فهي صانعة أحداث وحلقة مؤثرة في قضايا العالم والإقليم.
إلى ذلك البلد الذي سمعنا عنه الكثير تسابقت أنفاسنا نحن مجموعة صحفيات من أجلك سورية وطيلة الرحلة كنت وزميلاتي من الوفد نتناقل أحاديث سمعناها من أناس زاروا ذلك البلد وتحدثوا عن حضارته.
ما إن حطت بنا الطائرة بين منتصف الليل في مطار طهران حتى بدت تنكشف لنا حقائق مذهلة تجاوزت الكثير مما كنا سمعناه، حيث وجدنا أنفسنا أمام التاريخ وجهاً لوجه، ورغم تصورات مسبقة التي لم تنقطع وأنا في الطائرة، فقد كنت كبقية زميلاتي على مفاجأة تامة بكل ما في الكلمة من معنى – على أهميته إنما المهم ما تولد لديّ من مشاعر حملتني إلى ثنايا التاريخ جعلتني أتمتع بكل دقيقة عشتها في بلد تلتقي فيه كل وسائل التحضرّ والرقي.
ما إن بدأ برنامج الزيارة وأخذت السيارات تجوب بنا شوارع طهران من محطة إلى أخرى ومن لقاء إلى لقاء أهم وأشمل حتى بدأت تأخذنا الدهشة ثانية من روعة الفن المعماري القديم والحديث معاً وكل ما شاهدناه ذاخرٌ بالعظمة والقدرة والمهابة.
في طهران كل شيء ينتصب أمامك تتعرى أحداثه ومراميه من خلال مرتسماته ومعانيه فليس أغنى من التاريخ هنا إلاّ غنى صانعيه في كل شوارع طهران يلخص التاريخ نفسه في معالم تحكي من خلال صمتها الحجري وقائع التاريخ وقصر الشاه الغارة تحفة أثرية تركت حكايا عن مرحلة الارتهان للقرار الأمريكي وعلى مسافة بعيدة نسبياً يقوم بيت متواضع ماكدنا نفترق أنه بيت قائد الثورة الإسلامية آية الله الخميني الذي أسقط سطوة الاستكبار و انقل بإيران إلى مرحلة تصنع فيها قرارها ويتبنى سياستها انسجاماً مع إرادة شعبها، في ذلك البيت المتواضع أثاثاً أدار قائد الثورة الإسلامية شؤون البلاد والعباد والتقى كبار الزوار، وقاد ببسالة المناضل المواجهة الكبرى مع أمريكا وعملائها محققاً عملية التحول الكبرى في كل ميادين الحياة.
برنامج الزيارة كان غنياً وكثيفاً ولعلَّ ما شدنا أكثر هو تلك اللقاءات التي جمعتنا مع صحفيين يعيشون معنا الهم الواحد والتطلع الواحد وذلك في مؤسساتهم الإعلامية (وكالة الأنباء الإيرانية، صحيفة الوفاق، صحيفة كيهنا، محطتا العالم والكوثر الفضائيتان).
لقاءاتنا في المجالين الثقافي والسياسي كانت مع معاون وزير الثقافة الإيراني والمساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية. وأكثر ماترك انطباعاً لا ينسى في وجداننا هي تلك الجلسة الصاخبة لمجلس الشورى الإيراني والتي حضرنا جانباً منها بحفاوة لافتة ارتسمت على وجوه أعضاء المجلس الذي هتفوا لسورية وشعبها.
في ساعات الاستراحة وجدنا متسعاً للتجوال في أسواق طهران ذات الطابع الهندسي الممّيز، وللحق أقول: إن في تلك الأسواق متعة يشعر منها المرء براحةٍ واندهاش وكأنه يدخل التاريخ سارحاً مع أزمان سابقة وقرون متقدمة.
وقبل أن تقودنا الطائرة إلى اصفهان كانت لنا محطة هامة وعزيزة في البيت السوري بطهران وأعني منزل سيغيرنا هناك الذي وفي كل شوارعها وحدائقها يمكن للمرء أن يستنشق هواء التاريخ ويقرأه، ففي كل بقعة من تلك المدينة مرّت نسائم الحضارة القديمة وأصالة التجدّد في انسجام يعكس حركة التاريخ وتعاقب الأجيال.
في تلك المدينة الشهيرة التي تروي حجارتها بعض فصول تاريخها كانت لنا إقامة طبية مكنتنا من زيارة معالم تروي للأجيال فصولاً من حضارة ممتدة في عمق الزمن بما يزيد عن /7/ آلاف عقد لأنّ برنامج الزيارة محددٌ مسبقاً فقد توزّعت أيام إقامتنا على زيارة معالم المدينة التاريخية والسياحية ومحطتنا الأخيرة قيل أن نتوجه إلى مطار الخميني الدولي كانت مرقد الأولياء ومركز الإشعاع الفكري والحضاري.
سبعة أيام مع أناسٍ أحببناهم وكل ما وصلنا عن خصالهم وأصالتهم قرأناه ورأيناه بأم العين على وجوههم وعيونهم وأحسسناه في قلوبهم وضمائرهم.
سبعة أيام تمنينا أن يتوقف فيها الزمن أتعينا فيها أن الكرم والكرامة والأنفة تورّث ولا تكتسب.
طهران ستبقى الحلم ونهايته فقد خرجنا بانطباع لا يكفي معه حبر العالم لتدوينه على الورق أيام سبعة جمعتين مع زميلاتٍ في المهنة رائعاتٍ وجميلاتٍ قضيت معهن أوقاتاً هي الأجمل في رحلة العمر، لهنّ جميعاً أرفع بطاقة المحبة والتقدير موصولٌ لاتحادنا العتيد الذي هيّأ لنا تلك الزيارة الحلم.


يمامة إبراهيم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار