وقـــــال البحــــــر.. سورية والدولار بين الحاضر والراهن

العــــــــــــــدد 9515

الأحد 26 كانون الثاني 2020

 

الجميع يتابعون اليوم في سورية أخبار ارتفاع الدولار وانخفاضه، كما يتابع رجل ارتفاع وانخفاض ضغط دمه، حتى بائع البقدونس والنعناع على الرصيف، يتابع ارتفاع الدولار وانخفاضه ليحسب كيف سيبيع، وكم ستكون غلته في آخر النهار على الدولار.
صدقوني، رأيت الدولار لأول مرة في آب 1983، والسبب كنت في زيارة رسمية إلى ليبيا، أعتقد أن خمسة وتسعين بالمئة من السوريين يومذاك لم يكونوا قد شاهدوا الدولار ولا عرفوه ولم يكن يهمهم أمر سعر صرفه.
كانت سورية في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي محاصرة وفي مواجهة عسكرية مع إجرام الإخوان المسلمين استمرت على مدى أربع سنوات بدفع من الغرب والرجعية وجماعة الاستسلام عقوبة لسورية على وقوفها في وجه اتفاقيات كامب ديفيد، وعلى قيادتها لحرب تشرين عام 1973، ولدخول القوات السورية إلى لبنان لمنع تقسيمه وقيام كيانات طائفية فيه.
يومذاك، هدد (السادات) رئيس مصر بأن الدماء ستجري في الشوارع السورية إلى الركب، ومع تهديده، تحرك الخليج الرجعي لفرض حصار سياسي واقتصادي وبخطاب إعلامي ذي مفردات طائفية ومذهبية، وشنت إسرائيل حربها على لبنان ووصلت القوات الإسرائيلية عام 1982 إلى قلب بيروت العاصمة اللبنانية، كانت سورية وحدها في مواجهة هذا الاجتياح.
الأعداء في الماضي هم الأعداء اليوم، والأسباب هي الأسباب وأهمها الموقف من القضية الفلسطينية، ومشروعات الغرب في المنطقة.
التآمر الرجعي الخليجي ليس جديداً، والحصار الاقتصادي لم يكن اليوم أشد قسوة مما كان في ثمانينيات القرن الماضي، يومذاك، كنا نستورد القمح والدقيق والمواد العلفية، والزيوت والسمون وإطارات السيارات وقطع الغيار، وحتى أوراق المحارم، ودفاتر الطلاب المدرسية، ويومذاك لم تكن لدينا مصارف خاصة ولا صرافون في السر أو في العلن،
كانت الدولة تدير التجارة الداخلية والخارجية، وكانت المواد الغذائية التي تستوردها الدولة إلى مؤسساتها من أفضل الأنواع.
في زمن قصير نجحت الدولة باستنفار طاقات الشعب لتأمين غذائنا من أرضنا، القمح والقطن والشوندر السكري والبرتقال والزيتون والفواكه، وتحققت لدينا الوفرة في زمن قصير، وبتنا لا نبالي من قسوة الحصار، ولم يكن الحصول على الدولار السيء الذكر يهم المواطن.
إن السوريين بإرادتهم كانوا طوال التاريخ بحجم التاريخ، وبحجم التحديات الصعبة التي تواجههم، وإذا كان الحصار والأحداث والمؤامرات والإرهاب يتحالف لتدمير الدولة السورية، فإن الإرادة السورية ستظل تقيم خنادقها القوية في مواجهة التحدي، واستنبات التاريخ انتصاراً وقوة.

سليم عبود

تصفح المزيد..
آخر الأخبار