الفســـاد بــين مطرقــة المواطــن وســندان الحكومــة

العدد: 9295
الثلاثاء: 19-2-2019

 

لعل العنوان غريب على حقيقة ما يفكر به عمومنا نحن السوريين..
هل حقيقة، حال الفساد كما يشير إليه العنوان، بمعنى أن الحكومة تسعى فعلياً للقضاء ما أمكنها على ظاهرة الفساد المنتشر في أرجائنا جميعاً، بالتشارك مع المصلحة الحقيقة للمواطن في مقارعة الفساد و القضاء عليه، أم أن الحكومة شريكة وشيكة في نشر هذه الآفة وتأمين الأوساط الملائمة لتناميها؟
دعونا هنا، نشبّه الفساد بالنار في الهشيم، فهي حين تداهمنا فجأة، تفقد بعضنا القدرة الآنية على التفكير بآلية صحيحة للقضاء عليها، حتى نلجأ وبلحظة تغييب للعقل نتيجة رهاب النار، إلى طرقها بعصاة بأمل السيطرة عليها، ولا ندرك حينها أن الطرق المستمر يؤمن وسطاً هوائياً (أوكسجين) لتنامي سعير النار، وأن القضاء عليها يأتي بقطع سبل تنفسها، أو بمعنى آخر سبل بعث الحياة فيها في كل مرة..
هذا هو الفساد، ينتشر فينا وبيننا بفعل الحالة الانفعالية لقراءته والتعامل معه، بعيداً عن البحث في آليات قطع أنفاس تناميه من خلال حراك مدني موضوعي تشاركي تعبوي يأتي فيه دور المواطن والمجتمع المدني بالمرتبة الأولى قبل الحكومة المكبلة إلى حد كبير بفعل ضغوطات لا حكومية باتت تتحكم في مصير البلد وغالب مؤسساته لتحرف البوصلة الحكومية عن شمالها اللازم للقضاء على الفساد.
ونحن هنا، وكما أننا لا نرغب بممارسة المزيد من الجلد على الجسم الحكومي، فإننا نتوخى ما استطعنا، وضع النقاط على الحروف، وصولاً إلى مشارف الأسباب وبالتالي مخرجات الحلول..
فالفساد ومن خلال قواه (المتخفية الظاهرة) يتجه دوماً إلى مسألتين:
* إقناع الجماهير أن الفساد ممارسة حكومية ليتجه كل الصراع بين الحكومة والمواطن وليتظاهر من خلال تواري الحكومة خلف أسباب إعاقتها الحقيقية التي لا تجرؤ على التصريح بها، وهنا مربط الفرس في تنامي الفساد (غياب الرقابة والمجابهة في غياهب صراع حكومي – شعبي لا طائل منه)

 

* الاجتهاد في تعطيل القوى المدنية المجتمعية باعتبارها القوى الأكبر الممثلة للشعب صاحب المصلحة الحقيقية في وطن لا فاسد ، وبالتالي الوصول إلى أزمة ثقة حقيقية بين الجمهور وتلك القوى، ما يجعل الفساد (يسرح ويمرح).
وفي ظل تعقيد هذه الظاهرة المركبة، يتنامى العجز الحكومي والشعبي عن مجابهة الفساد، وهنا تكمن قوة الفساد، فهو أساساً ظاهرة هشة تهجس دوماً بالقلق والخوف، لكنها تستمد قوتها من خلال تحييد القوى المفترضة لمجابهتها، لتتناثر التصريحات الحكومية الخجولة الرديئة أحياناً نتيجة عجز حكومي غير معلن عن مكافحة الفساد، وبهذه التصريحات يتنامى الصراع بين الحكومة والجمهور، ويغيب بالمطلق أي أفق للمعالجة سيما الحديث عن الظاهرة وتقاذف التهم بين جمهور (يُتهم) عميل أو مسطح أو مطلبي أو غبي أو….، وبين حكومة (تُتهم) فاقدة الشرعية والصلاحية والقدرات.
وفي ظل هذه التركيبة التي أسميناها بـ (المركبة) شديدة التعقيد، ما العمل؟
المهمة صعبة جداً، لأنها أساساً تبدأ من نقطة ما قبل الصفر، لكنها سهلة التحقيق استلهاماً من تجارب كل الشعوب، ونعتقد أن الحرب يجب أن تعلن بتوخي النقاط التالية:
× الفساد ظاهرة بشرية يرتبط وجودها بوجود الخير والشر، وبالتالي ما من أمة بالأرض استطاعت على تحقيق نسبة (صفر فساد) وأعتى الأمم، وصلت لتحقيق نسب تجعل من الفساد ظاهرة معوقة في سيطرتها وتأثيرها على القرار الحكومي.
* على القوى المدنية السورية أن تتيقن بأن الفساد ليس مجرد ظاهرة مالية اقتصادية إدارية، إنما هو ظاهرة اجتماعية أساساً، وأنها المسؤول الأول لا الأخير عن مكافحته استناداً إلى دراسات موضوعية تضع أسس ومعايير للعمل الحكومي وتسعى لفرضها من خلال تشكيل (مجموعات) شعبوية مدنية مجابهة، تكفل الضغط على الحكومة ومؤسسات الدولة، لتبنيها مع الأخذ بعين الاعتبار بأننا عانينا من هذه الظاهرة بظل كل الحكومات المتعاقبة، ما يشير إلى أن أغلب فسادنا هو فساد لا حكومي وإنما الحكومات مجبرة على الانصياع له في ظل غياب ثقافة الاستقالة لدى غالبنا الأعظم.
* أعتقد، أننا وبسياق مكافحة الفساد، يجب أن نقبل ونتقبل المعالجة التدريجية، وإلا فإننا كمن يحارب طواحين الهواء، فأنا أرى مثلاً بأن ظاهرة أثرياء الأزمة وأمراء الحرب لن تنتهي بالقضاء عليهم، وإن أي ضغط ممكن أن يمارس (ولن يمارس) سيؤدي حتماً لتهريب رساميلهم المنهوبة إلى خارج الحدود، وبالتالي ورغم وقع ما سأقوله، فإنني مع التقنين البراغماتي للأموال المنهوبة، وزجها في سوق العمل والاستثمار وفق خطط ممنهجة تتبنى إعدادها القوى المجتمعية المتخصصة.
* هناك من سيقول، إن القوى المجتمعية المدنية معطلة وغالبها مصاب برهاب تمارسه قوى الفساد عبر مؤسسات لا حكومية هي التي خلقت حجر الأساس الأول لتنامي الفساد..
نعم .. وهنا تستوجب الحرفية بالمكافحة، فلا يمكن أن تجابه عقرباً بوردة، ولا يمكن أن تتصدى لثعلبٍ بعبارات من فضيلة، فالمكر يحتاج إلى الدهاء، ونحن كقوى مدنية تدعي حرصها على الوطن، مطلوب منّا السعي لتكتل متنامي مع وجود الاستعداد لدى كل منا (سلفاً) لأن يكون ضحية في حرب أساسها لا متكافئ..
أخيراً أعتقد جازماً، بأن أخطر ما بعملية مكافحة الفساد، هو غياب القوى المدنية أو تغييبها عبر إدخالها بدوامة الحديث الناقد المهاجم للفساد بعيداً عن ممارستها لدورها التاريخي الأخلاقي الوطني في وضع الحلول والسعي لفرضها.
إن بناء الأمم أو إعادة إنتاجها، هو مسؤولية القوى المدنية والمجتمعية والسياسية من خارج السرب الحكومي، ومسؤولية تلك القوى خلق المبادرات والتأسيس لغد كريم والاستعداد للنضال ودفع مستلزماته وبالنتيجة سنصل إلى مرادنا كما وصلت كل الشعوب من قبلنا، وإلا سنكون أمة منسية، و نحن الذين نسعى لسورية وطن كل أبنائها.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار