وقـال البحــــــر.. فسحة أمل

العـــــدد 9503

الأربعــــاء 8 كانون الثاني 2020

 

مع إطلالة هذا العام الجديد وبدء تعاقب أيامه ولياليه نجد أن هنالك وجوهاً هي أجمل الوجوه في أعيننا وأصواتاً هي أوقع الأصوات في مسامعنا وأسماءً هي أعز الأسماء في أفئدتنا، وهي الوجوه التي أحدثت فينا تأثيراً لم تُحدثه بعض الوجوه الأخرى وهي الأصوات التي ناجتنا أصداؤها بما لم تتلفظ به الشفاه وهي الأسماء التي نبهتنا ألحان موسيقاها إلى أهمية اختيار الأسماء، وأولئك الأشخاص نراهم بارعي الجمال وإن لم يكونوا كذلك في نظر سوانا من الناس لأننا عثرنا في ملامحهم ومعانيهم وحركاتهم ونغمة أصواتهم واتجاه آرائهم وتكيف أفكارهم وعمق عواطفهم على ما يطلبه شيء غامض فينا فكأنما هم الوسيلة الوحيدة التي نرتفع بها فوق المستوى العادي إلى فلك تتجدد فيه قوانا فتتسع نفوسنا شاعرة بالعواطف الكريمة ومستنيرة بالمعاني السامية وتائقة إلى الإعجاب والنبل والإقدام والصلاح.
ليس فقط العظماء والمفكرون والعبقريون هم الذين خُصوا بتنبه ومقدرة الفكر والتعبير ولكن قد يبدو من معاني العاطفة الصادقة عند عموم العامة ما يقف المرء متهيباً حياله، ولكننا نتوقع تجلي التميز والإبداع والعبقرية في الأرواح الكبيرة خلال عاطفة الحب أكثر من التجلي في أي عاطفة أخرى لأن الحب في حد ذاته عبقرية ووحي وإلهام، ويُتوقع من الأرواح الكبيرة أيضاً تنوعاً وعُمقاً وتفنناً واتساعاً وشُمولاً لم يتيسر لأرواح هي دونها جمالاً وتفرداً وكل هذا يتعذر على النفوس الضيقة المحدودة المفتقرة إلى المواهب وسحر الأنوار.
يُقال بأن الحب هو فناء النفس في النفس فكما أن المخلوق يفنى في مُلك الخالق كذلك نفس الحبيب تفنى في محبوبها، وكما أن الفراشة تحوم حول السراج حتى تحترق كذلك المُحب يحوم حول محبوبه إلى أن يُكوى بناره وتُحبس الشفاه عن النطق لتتكلم القلوب وتُحدق الأبصار في الأفق لتتفرغ للتأمل في سر الحب، ويُشوقنا غرام الأبطال والعبقريين لاستكشاف أسرار كليوباترا والاهتمام بحق بما أبدعه ابن الفارض من أمتع أناشيد فالعاطفة الشخصية المتجددة بتقدم الزمان كالعاطفة الفائضة على صفحات الأيام يُدونها القلم ولا تنحصر في نفوس أصحابها بل ما تلبث أن تبرز آثارها المختلفة في أعمالهم العامة فتكون ذات شأن كبير في تطور الميادين الأدبية والتاريخية والاجتماعية.
في فصل الربيع أريج البنفسجية يكون عادةً النسيم عليلاً وتبرز الشمس من وراء الأفق لتنثر التبر من أشعتها الذهبية وكل ما في حضن الطبيعة يُزهر ويبتسم ويُغني فرحاً ولذا فما أبعد الفرق وأطول المسافة بين الربيع والخريف الذي يُعد أشد وطأةً على القلوب المنكسرة لأنه يُذكر بخريف الحياة عندما تذبل زهرة العمر ويهدأ خفق القلب وينقطع نشيد الحب الذي تناجي به الروح للروح، فما أشقى النفوس البشرية وأشد فراغها لولا الحب الذي يُوصف بأنه تحية الملائكة لسكان السماء ولولاه لكانت ساعات الأبدية طويلة ومملة، ولا شك بأن العين تستنير بأشعة الشمس والقلب يستنير بأشعة الحب ومصدر كليهما ابتسامة الروح الطاهرة مصدر الحب.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار