وقـال البحــــــر ..سفر العمر

العـــــدد 9502

الثلاثـــــاء 7 كانون الثاني 2020

 

ها أنا أتبدّد في ضجري، عناقيدٌ من غبارٍ تحوطني، وأنا رحْتُ أنزف ذكرياتي، وكم تمنيتُ لو أن لي كوخاً على خاصرة الغيم يأويني، ويحضن تعبي.
قبابُ طفولتي انتصبت قدّام رؤاي، شملتني على حوافي شرفةٍ يغفو على جنباتها عطرُ البنفسج والعرار، استحضرتْ صورتكِ تجثو على عتبات أشواقي، كانت القصيدة..
أتقرَّاكِ على وجنة الحلم، وأراني أكوّم أغمار الحصاد وأضفرها جدائلَ سمراءَ كالسنابل وأنادي الشروق: يا أيتها الشمسُ اصعدي من خلف جبال الهمِّ، أضيئي ما عتّم في صدري، أنا من تعتّقتِ الجراح في جسده واستوى على نواح الصباحات،
أيّامي مصلوبة عقّها الصباح، وازدهى فيها فراغ الدهشة، فراحت تجترّ ضباب الأماسي، ولم تُبقِ لي درباً مشرق العينين، أمضي في شعابه، وأنيخ تعبي في محطته الأخيرة، يشد أعصابي الحنين إلى (جبّ الغوّار) والعمر يطويني نهدةً، نهدةً،
ويقتاتني صمتي، فخجلتُ من قادمٍ لا يبقي لي ما أفاخر به فأنا ما زلت أبحر في التراب، وما عدتُ القادر أن أمتطي جوامح الرياح.
أنا رجلٌ مسكونٌ بالحيرة والضياع فمتى يُشرق الجدارُ ويُفتح لي باب مرفأ الزهور لأعبق من رائحة الطيّون وأذوب من حبي؟
أعياني التلّهف للضياء، والشتاءات ما زالت تجمدّ عروقي، والبحر ما يزال يمور بساحله المضطرب، وظهري تزرعه شموسُ الرحيل.
أرخيت جفناً كليل الرموش، وحملت لذكرى الأماسي قبساً من ضياء، وأسلمتُ للريح خطوي، وتراكمت على شفتي صلاةٌ دافئةُ الحروف، فأويت إلى ظليّ ودمدم قلبي صارخاً: يا ربُّ . . لقد أشعلت عروقها الظنون فاملأني طمأنينتك، وأرني الدرب واضحاً . .
تعباً من سفر العمر طويتُ ريش جناحي وصرتُ إلى إغفاءةٍ هنّية.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار