وقـال البحــــــر.. المصـــــير

العـــــدد 9501

الإثنــين 6 كانون الثاني 2020

 

يتقدم باحث معروف إلى إحدى دور النشر الشهيرة يقول: هذه دراسة أمضيت سنوات من كتابتها بعد أن قرأت مئات الكتب والوثائق.
يسأله الناشر: ما موضوع دراستك؟
يقول الباحث: قمت بدراسات موثقة عن الظالمين والطغاة عبر التاريخ، وقد ذكرت ما ارتكبوه من بغي وقتل وسفك دماء.
يعود الباحث ليعرف نتيجة طلبه يًفاجئونه برفض الدراسة التي تبلغ ألف صفحة.
يسأل المؤلف: ما أسباب الرفض، فقد بذلت وقتاً طويلاً في البحث واعتمدت الموضوعية والمنهج العلمي.
– تجاوزت الحدود كثيراً
يقول المؤلف: ماذا تعني؟
يجيب الناشر: كيف تسمح لنفسك أن تذكر شخصيات معاصرة مخيفة؟ لماذا لم يقتصر بحثك على التاريخ القديم؟
– لكن الحكام المعاصرين هم الأكثر ظلماً ولديّ الوثائق والأدلّة.
– عليك أن تسترد دراستك فإذا نشرناها فقد تكون نهايتنا مجهولة.
يقول المؤلف: هذا يثبت صحة النتائج التي توصل إليها البحث
يقول الناشر: خذ مخطوطتك، واذهب واردمها في المقبرة حتى لا يكتشفها هؤلاء الظالمون فيكون مصيرنا تحت التراب.
***
قلت لصديقي: هل سمعت بأم تحت التراب ترضع طفلتها الجائعة؟
استغرب صديقي هذا السؤال الغريب وقال مدهوشاً: كيف يحدث هذا؟
أجبته بثقة: تعلم أن رفيقة عمري قد رحلت بحادث أليم ولا تزال تسمع نداء ابنتها الرضيعة، زرت قبرها حاملاً الصغيرة وهي تبكي لأنها جائعة.
جلست على الأرض، أتذكر حياتي مع الراحلة الغالية تحت سنديانة تمدّ جذورها في الأرض وترتفع أغصانها ونسج في الضوء والهواء وكانت أوصت أن تدفن تحتها.
زحفت ابنتي الصغيرة نحو القبر، وتوقفت عن البكاء، فقد احتضنتها أمها، وأرضعتها كما كانت تفعل قبل الرحيل.
سألني صديقي متعجباً: هل رأيت الراحلة ترضع ابنتها حقاً؟
قلت له: كنت أستند إلى جذع السنديانة غلبني الحزن والتأثر، وربما دخلت في غيبوبة ولكن كيف تفسّر أن الصغيرة لم تذق طيلة اليوم طعاماً أليس لأنها اكتفت من رضاعة أمها الراحلة.
قال صديقي: إنه قلب الأم يخفق تحت التراب.

عزيز نصّار

تصفح المزيد..
آخر الأخبار