العدد: 9499
الثلاثاء: 31-12-2019
لم يغمض لي جفن طوال ليلتي، هي الذكريات تتلاحق، كلّ واحدةٍ تزحم أختها فيتصاعد القلق إلى رأسي ويتقاذف فيه الوجع، أحسست بدمي يدور في وتيني بأسرع مما اعتدته، وعبرتني أيامٌ ثقال الوطء..
***
أفاقتني من قلقي وقع حبّاتٍ من المطر، تعزف لحنها على نافذتي، ورأيتني أصغي إلى حفيف سويداء قلبي، دقّاته كانت تتناسق ووقع حبّات المطر وجاءني الهواء مثقلاً بملح البحر، ورائحة الليمون، ورأيت قبرات الحقل يستيقظن والفجر…
استعدت في تلك اللحظة ما جرى لي- ذات عمر – مع صديقٍ سألني هل رأيت قبّرةً قبل الغروب تصعد أعلى فأعلى ثم ترسل زقزقتها وتهوى كالصاعقة؟
وحين أجبته (نعم) سألني: هل تعرف لماذا تفعل هذا كل يوم؟
قلت: إنّها طبيعتها التي فُطرت عليها، قال: لا، إنّها تندب الحسين الشهيد.
أرسلت ابتسامتي وكنت وقت ذاك غير مستعدٍ أن أدخل في حوار (بيزنطي) لا يوصلني إلى أي نتيجة، لذا التزمت الصمت وتذكرت لحظتها ما قاله الأديب اليوناني الكبير (كاتانزاكي) قال: عشت عمري مفتوناً بثلاث مخلوقات لله وهي:
1- الدودة التي تصير فراشة..
2- السمكة الطائرة التي تقفز من الماء محاولةَ تجاوز طبيعتها.
3- دودة الحرير التي تحوّل أحشائها إلى خيوط حريرية…
***
رنين هاتفي يصلني، جاءني الصوت عميقاً ولكنه خارجٌ من حفرةٍ عميقة،
أخبرني أن الغربة موتٌ، وأنّه ارتكب غلطة العمر بالرحيل، وقال: إنّ كسرةَ خبزةٍ ناشفةٍ في الوطن لأفضل من مائدةٍ مكتنزةٍ بأطيب الطعام وأشهى الحلويات،
وتابع: أكاد أموت من الحنين وسألني ما الحل؟
***
قلت: كثيرون هم الذين أغوتهم الهجرة فارتحلوا وكثيرون هم على حالتك وتسألني ما الحل؟
الحل يا صديقي في العودة، الوطن يتسع للجميع وأخبرته عن عدد مراسيم العفو التي أصدرها سيد الوطن، وأنّه وغيره يستطيعون العودة متى شاؤوا، أنهى حديثه بقوله: ستراني بينكم قريباً.
***
أحسست بطمأنينة تطوقني، وتذكرت أغنية تدعى مايتنادا تقول كلماتها:
(يدهشني أنّ الشوارع لا تزهر حين تسير عليها، وأنّك لا تتحول إلى نسرٍ بجناحين من ذهب).
سيف الدين راعي