التبــغ.. صديقك الـذي يكــرهك..

العـــــدد 9498

الإثنين 30 كانون الأول 2019

 

صديق يكرهك ومع ذلك تصرّ على مصداقته وكأنه قدرك المحتوم وتنسى أنك عشت سنيناً من عمرك من دونه قبل أن تعرفه ومع ذلك لم تكن تشعر بحاجة إليه.
صديق هو كألد أعدائك يسرق جيبك علانية يصادر صحتك بسخرية يختصر عمرك كل ثانية ويوهمك براحة مؤقتة ولكنها سريعاً ما تختفي ليعاود إلحاحه المسيطر عليك.
صديقك الخائن يدعى التبغ، يقال إنه لعنة الهندي الأحمر على الغازي القادم من وراء البحار، فلم يكن العالم القديم يعرفه قبل اكتشاف أمريكا، وكأن الهنود الحمر قد انتقموا من غزاتهم بأن صدروا لهم عادة التدخين المؤذية إلا أن الهنود الحمر كانوا يستعملون التبغ كما هو خال من الإضافات والمواد الكيماوية السامة ومن الورق الخارجي فكان أقل ضرراً بكثير، أما اللعنة الكبرى الحقيقية فهي لعنة الإنسان الأبيض على نفسه إذ إنه طور في صناعة التبغ بطريقة جعلته أكثر مضرة، ولكن أكثر استهلاكاً ليدر عليه المزيد من العائد المادي وأمام الربح يمكن أن تمارس الدعاية دورها التنكري لإضعاف الإرادة وتلطيف الأجواء الخانقة.
يتعمد أصحاب شركات التبغ إضافة مواد شديدة المضرة تزيد في سرعة وقوة الإدمان حتى يضمنوا عدداً من أكبر المستهلكين الأوفياء أو الغافلين عن المؤامرة المحاكة ضد صدورهم ودمائهم الملوثة فتجد هؤلاء الآخرين يلقون بكل اللوم على التبغ غير منتبهين لما أدخل فيه من مواد تفوقه مضرة.
تجار التبغ كتجار السلاح لا يكترثون لعدد ضحاياهم، ومثلما يتعمد تجار السلاح إثارة النزاعات لتصريف بضاعتهم يتعمد تجار التبغ ويتسابقون في إثارة الشهية التدخينية والقوة الإدمانية والسيجارة هي غايتهم اللعوب التي لقنوها كيف تجيد فن الإغراء والإسقاط وتسخر من ضعفهم وانزلاقهم في جحيم مفاتنها.
أخيراً إن أي شخص كان أحد ضحايا هذه اللعنة أو بالأحرى العبودية يشعر بارتياح كبير لتحرره وانعتاقه ليس فقط من التبغ بل من أيدي القتلة المخفيين أصحاب مصانع التبغ.
ويبقى سؤال وجيه يفرض نفسه: هل يساوي امتلاء جيوب أرباب مصانع السجائر المفخخة بالسموم والمرض والموت البطيء امتلاء المستشفيات بضحايا التدخين أو امتلاء البيئة بالتلوث.
قد نستطيع طرح هذا السؤال على منطق العقل أو منطق الصحة أو منطق الحياة ولكن من الصعب طرحه على منطق الربح، فوحشية السوق منطق لا يعترف بغير نفسه.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار