وقـــــال البحــــــر .. على شفاه الزبد الأبيض

الأحد 29 كانون الأول 2019

العــــــــــــــدد 9497

 

 

أذكر، كانت الليلة الأخيرة من العام 2018، وكان المساء يفرش سريره للسنة القادمة، وكانت زوجتي أمضت النهار في إعداد الطعام، قلت: (لم تكوني بحاجة إلى كل هذا التعب)، ابتسمت دون ان تنظر إليّ، وقالت: (هل كل يوم رأس سنة؟!
اجتماع الأولاد حولنا يساوي عمراً من التعب)، وتقول بصوت خافت: (من يدري، ربما نكون أو لا نكون في رأس السنة القادمة، أو قد يكون أحدنا فقط ! العلم عند الله).
هي المرة الأولى التي أقرأ في كلامها هذا الشعور، كان في ابتسامتها ذبول، يعكس هذا القلق، بقيت صامتاً.
عندما نكبر في العمر، تصير أسئلتنا عن الموت أكثر من أسئلتنا عن الحياة، أهو الخوف من الموت أم التعلّق بالحياة كلما اقتربنا من الشيخوخة؟!
أذكر أن أمي كانت قلقة من الموت في سنواتها الأخيرة، وكانت تتجنب الحديث عنه، أحياناً، تفتح ذاكرتها على الماضي وتتجه بحديثها إلى الحاضر، وأحياناً، ينبت خوفها من الموت في أمنيات وأحلام للمستقبل.
كان المطر في الخارج يهطل بغزارة، وماء المزاريب يضجّ بقوة، وهو يتساقط على أغصان شجرة (الأفوكادو) الكبيرة الملاصقة للنافذة، هذه الشجرة يفوق عمرها عمر ولدي الأكبر، قلت: (شتاء هذا العام قاس)، قالت: ( الله يبعث الخير)، كانت المدفأة تتوهج في غرفة الجلوس، الجو شديد البرودة وتيار الكهرباء لا يطمئن في هذه الأيام الشتائية، فهو ينقطع مع كل هبة ريح أو موجة مطر، والاتصال هاتفياً مع جماعة الكهرباء لا فائدة منه، أظنهم يغلقون الهاتف، ويمضون وقتهم في شرب المتة ولعب الورق، أو الاستغراق في الحديث عن الحرب والغلاء والفساد والفوضى التي كانت، الليل يمشي سريعاً لاستقبال العام الجديد، فكّرت بجنودنا وهم على خطوط القتال، نحن هنا ننعم بالدفء، تخيلت نفسي بابا نويل، وأحمل الهدايا في عربة تجرها وعول جميلة وسريعة كالريح، و أمر على خنادق المقاتلين لأقدم لهم الهدايا والقبلات، وأدخل المشافي لأوزع الحب على العاملين فيها والأمنيات للمرضى، واتجهت إلى الزملاء في الصحافة، وإلى أصدقائي، وتمنيت لهم عاماً حافلاً بالفرح، وأنا على بعد لحظات من العام الجديد توقفت في مواجهة الشاطئ البحري، وكتبت على شفاه الزبد الأبيض، كل عام والوطن وشرفاء هذا الوطن بخير.

سليم عبود

تصفح المزيد..
آخر الأخبار