العدد: 9494
الاحد: 22-12-2019
من زمن لم نعد نتحدث عن النقاء، ولا عن أناس يمارسون النقاء، ولا عن القمر العاشق الذي يرقص في السماء وحوله نجيمات عاشقات، تلك الحرب، لم تترك شيئاً إلا تركت عليه آثارها..
في المجتمع حدثت تحولات خطيرة في القيم، والسلوكيات، وفي الثقافة التي ترتبط بعلاقة الإنسان مع المبادئ والقيم السياسية والأخلاقية والوطنية.
كانت هديتي الأولى للفتاة الأولى التي أحببتها (باقة من سنابل القمح)، وكان القمر يفرش ضياءه على الشاطئ، وكانت تلك النجمة التي ترقص حول القمر تحكي له حكاية.
قالت فتاتي: (هي تقص على شهر زاد حكايتنا)، وهبطت إلى الشاطئ، وتركت سنابل القمح على الموج، وابتسمت، احتضنتني بنظراتها، لم يكن الاحتضان بين العاشقين يتجاوز النظرات.
ياه! كل شيء تغيّر في زمن الحرب، وقبل أن تأتي الحرب، الحب تغير، وعلاقة الجوار تغيرت، والعلاقة بالوطن تغيرت، والعلاقة مع الوظيفة تغيرت، باتت الوظيفة الأفضل هي الوظيفة التي تتيح الفساد أكثر، ونما بين فسوخ الليل الفساد والغش والكذب.
منذ زمن، والحوارات مشتعلة، في اللقاءات الثقافية، وفي لقاءات العزاء، وفي السهرات، الجميع يتحدثون عن الفساد والتقصير والمسؤول والمواطن، تمنيت أن يقوم أحدهم ويعترف بتقصيره أو بفساده أو على الأقل بمصدر ثروته، ومن أين أقام قصره وبيارته وشاليهات على الشاطئ، والمضحك أن يقول إن هذا كله من فضل ربي، ويجد المسوّغ لنفسه كما يجد بنو إسرائيل مسوغاته في الكسب الحرام وفي القتل للشعوب الأخرى ونهب الشعوب الأخرى وإفنائها لأنهم بحسب زعمهم (شعب الله المختار) والفاسدون هنا، نجحوا وحققوا بحسب رأيهم لأنهم أذكياء، ولأن الله أعطاهم وأمدهم.
أصغيت في هذا الصباح إلى صديق، راح يقصّ عليّ كيف نجح ابنه في إقامة مزرعة وفيها فيلا من عدة طوابق، خلاصة الحكاية أن ابنه ذكي وعبقري ومحظوظ على الرغم من أن هذا الولد اجتاز مرحلة التعليم الأساسي بصعوبة.
في الواقع الراهن أيها السادة بات أبناء الفساد هم أبناء الأصل والفهم والحظ والسعادة والسيادة، وبات أبناء الفقراء الذين لم يمارسوا الفساد أبناء الجارية المنبوذة، بحثاً عن كسرة خبز على أطراف حاوية قمامة، أو باتوا خدماً في موكب فاسد.
سليم عبود