رقــم العــدد 9493
الخميس 19 كانون الأول 2019
بدأنا 2019 بـ (سهرة عامرة)، وورقة يانصيب في الجيب، ونعمنا بضعة أشهر صيفية بـ 24/24 كهرباء ولا أحلى، وبدأنا باستلام مازوت التدفئة منتصف آب الماضي، وأصبحت لدى كلّ منّا (بطاقة ذكية)، وغابت اختناقات البنزين، وتحسّن وضع الغاز (على فترات)، وخفّت الشكوى هذا الموسم من (أسعار الحمضيات)، والدولار الذي جنّ أعيد ترويضه نوعاً ما..
عناوين يفترض أن تنتج في دواخلنا فرحاً كبيراً، وأن تدفعنا لتوفير (طاقة إيجابية) للعام القادم على مبدأ (خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود) ولا نتعدّى هنا على مهنة البوم (الذي ينعي بالخراب) لا قدّر الله، ولكننا نتذكّر قناعاتنا وعاداتنا وأقوالنا…
هناك شبه إجماع لدى السوريين أنّ عام 2019 كان الأسوأ خلال سنوات الحرب على بلدنا، وإن كان الحكم هنا مبنياً من زاوية واحدة وهي الحالة المعيشية للمواطن العادي، والأسباب واضحة ولا تحتاج لخبراء اقتصاديين لتحليلها، وهي ببساطة أنّ الردّ (الاستعماري) على انتصارات سورية على الإرهاب جاء من خلال لقمة المواطن (حرب اقتصادية شرسة)، فحوربت ليرتنا، وكان ما كان من تدهور سعر صرفها أمام (اللعين الأخضر) كنتيجة، وبالتالي عندما خلص (المحللون) إلى أن تراجع قيمة الليرة بسبب النصر السوري كانوا (محقّين) لكن ليس إلى حدّ الإقناع، ولأنهم فشلوا في شرح ذلك للناس، فتحوّل التبرير إلى محط تهكّم وتندّر لدى الناس العاديين وحتى بعض المختصّين، والذين بدل أن يقوموا بدورهم (التوعوي) انضموا إلى موجة (الثرثرة الفيسبوكية)!
نعود لتعداد إنجازات 2019، فنضيف: حضور السورية للتجارة في تفاصيل حياتنا اليومية كان ذا أثر إيجابي على شريحة من المواطنين، واستطاعت من خلال ثبات أسعارها خلال فترة فوضى سعر الصرف أن تؤثر على أسعار القطاع الخاص وتلجم جنون جشعهم، وما زالت (السورية للتجارة) حاضرة، وتتوسع جغرافياً وخدمياً، ومع هذا ما زال دورها بحاجة لتفعيل أكثر، ومازالت (كجهة تدخّل إيجابي) قادرة على صنع الفارق، وأن تكون (فعلاً لا شعارات فقط) بوصلة السوق:
* زيادة حصّتها من المستوردات المدعومة على حساب المتعاملين الآخرين الذين استغلوا ضعف الدور الرقابي على السوق، وأوجدوا حالة من السخط لدى الناس، وبالتالي توفير السلع الأساسية على مدار السنة دون انقطاع.
* إغراق الأحياء والقرى بمراكز ومنافذ البيع الخاصة بها بحيث يسهل وصول جميع المواطنين إلى صالات بيعها.
* توفير (بطاقة ذكية) خاصة بها، تحدد كميات مشتريات المواطن من سلعها الأساسية (السكر، الشاي، الزيوت، السمون..) بحيث لا يتعدى سقفاً متفقاً عليه من هذه السلع، وبهذه الطريقة تغلق أي باب أمام (المستغلين) الذين يأخذون من منافذها ويبيعون في (دكاكينهم) بالتواطؤ مع بعض ضعاف النفوس الموجودين في مراكز السورية للتجارة مما يعجّل بفقد المادة وبالتالي عدم استفادة المواطن من المزايا التي تطرحها وتقدمها السورية للتجارة.
بطاقة ذكية ولكن..
فيما يخصّ المحروقات (غاز، بنزين، مازوت) فقد كان التدخّل عبر البطاقة الذكية إيجابياً رغم كلّ الملاحظات، لكن هذا التدخّل أوجد قسطاً كبيراً من العدل (ولو على مبدأ المساواة في الظلم عدالة)، وأراح (أعصاب ووقت) المواطن، وهي من حالات التعاطي مع الحاجات بشكل حضاري وجميل ومريح:
* المدة المخصصة للحصول على أسطوانة غاز (كل 23 يوماً) قد لا تناسب الجميع، ومع هذا فإن هذه المدّة قابلة للتغيير حسب المتاح من إنتاج الغاز وتوفّره، والاعتراض ليس على المدّة، وإنما في معظمه عدم وجود الغاز حين الاستحقاق، أو عدم مراعاة عدد المتعاملين مع كلّ مركز توزيع غاز، أو تأخّر سيارات التوزيع، واضطرار المواطن لانتظار ساعات طويلة، وهذا الأمر يمكن حلّه إذا ما تمّ تثبيت عدد معين من المواطنين لدى كلّ مركز توزيع، والتزام (سادكوب) بتوريد المادة لهذا المركز وحسب عدد المسجلين له وفي اليوم المحدد، اي عند كل 23 يوماً، ويعلم المواطن أن أسطوانته بالحفظ والصون على مدار اليوم المخصص للتوزيع.
* فيما يخصّ البنزين، ومع الإجماع على أنّ الكميات المخصصة لجميع الشرائح (سيارت عامة أو خاصة أو دراجات نارية أو مرشات زراعية.. إلخ)، إلا أن الأمر يتمّ تداركه من خلال العودة والالتزام بما صدر من قرارات لاحقة (خاصة بالسفر، أو إكمال مخصصات السيارات الحكومية بالسعر المدعوم، وغير ذلك)، ويمكن أيضاً الانتقال إلى السعر العالمي للبنزين (الحرّ) بالتدريج، كأن تُعطى أي سيارة كمية إضافية بسعر وسط بين المدعوم والحر، وأن يعاد النظر بالمخصصات المدعومة وخاصة ما يتعلق منها بالدراجات النارية و(الزراعية).
* فيما يخصّ مازوت التدفئة، فمن غير العدل أن تكون الكمية نفسها لجميع المواطنين بغضّ النظر عن خصوصية مكان إقامتهم وطبيعة المناخ لديهم، ومن غير الموضوعي أيضاً أن يُعطى كلّ مواطن مازوتاً للتدفئة سواء استخدمه في التدفئة أم باعه لغيره، ولا بأس من تعهد خطي من المواطن باستخدام مخصصاته في التدفئة، وقيام شعب حماية المستهلك بمراقبة ذلك، لأنه إن لم يفعل ذلك فسيكون سبباً في زيادة العبء على الغاز أو الكهرباء، أو سيغافل عين (الحراجية) ويقتطع حطباً للتدفئة أو . .
من حقّنا كمواطنين أن ندافع عمّا هو متوفر لدينا، وأن نطالب بحسن وعدالة الاستفادة منه، وألا نكتفي بالتذمّر والشكوى، ومن واجب أصحاب القرار ان يراجعوا هذه التفاصيل بعناية ودقّة، وأن يجهّزوا البنية التحتية لقرارات جديدة تزيد من قدرتهم على إدارة هذه التفاصيل بمسؤولية..
قلناها سابقاً، ونكررها: لا تعنينا تقاريركم السنوية، لأن معظمها مكرر و(إنشائي) وبعيد عن الواقع، الواقع الذي نعيشه هو الأكثر دقة إن كنتم فعلاً تبحثون عن خدمات أفضل لنا..
حملات نظافة.. والقمامة تتمدد!
على مدار السنة وهم يعلنون عن حملات نظافة شبه مستمرة، وعلى مدار السنة نقول لهم: النظافة لا توجدها الحملات، النظافة بحاجة لمشروع حقيقي على مدار الـ 365 يوماً بالنسبة للعام 2019 وعلى مدار الـ 366 يوماً بالنسبة للعام 2020، وإن لم يحضر هذا المشروع فلن تحضر النظافة حتى لو أغرقتم مدننا وقرانا بملايين الحاويات، وزرعتم الصحف والمواقع بتصريحاتكم..
السادة المسؤولون عن قطاع النظافة في أي وحدة إدارية: القانون معكم ويدعم عملكم، لديكم برامج بمواعيد ترحيل القمامة أو بمواعيد إلقائها، وتشكون دائماً أن المواطن لا يلتزم، (وهذه حقيقة) ولكن لو كانت إجراءاتكم صارمة، ومستمرّة ودون شفقة، حينها سيلتزم المواطن بمواعيد إلقاء القمامة وبأماكن إلقائها، وسيكون عكس ذلك هو النشاز الذي يمكن رصده.
ليس صعباً..
بإمكاننا جميعاً أن ندير التفاصيل بطريقة إيجابية إذا امتلكنا الرغبة، وشعرنا بالمسؤولية، حتى على صعيد الأسرة من الداخل..
لا ننكر أو نغمض أعيننا عن الواقع المعيشي الصعب، ولا ننكر أنّ البعض منّا (وبحجة الريجيم) تحوّل إلى نصف أكله، وتخلّى عن كثير من عاداته الاستهلاكية (ورب ضارة نافعة)، لكن الحياة ليست سوداء تماماً كما يتصوّرها أو يصوّرها البعض، هناك فسحات أمل كثيرة، لكن معظمنا لا يعرف كيف يمرّر أموره من خلالها..
بالطبع لن نبني على بطاقة يانصيب وإن كانت جائزتها الكبرى (200) مليون ليرة سورية، بل أن دوران دواليب سهرة رأس السنة يشكّل استفزازاً حقيقياً للكثيرين، وانتشار آلاف الباعة الجوالين على قارعة الطرقات وهم يبيعون أوراق اليانصيب بأسعار زائدة ستصل إلى ضعف السعر الحقيقي مع اقتراب موعد السحب مهما اتخذ من إجراءات..
غـانـم مـحـمـد
ghanem68m@gmail.com