نحـــــــت الصلصــــــال.. موروث عبد الباسط زابـــــون لطـــــلاّبه

الخميس 19 كانون الأول 2019

العـــــدد 9493

 

 

الفنّان النحّات عبدالباسط زابون، من رموز النحت في اللاذقية، يفضّل العمل بصمت، حبّ، إحساس عالٍ بعيداً عن الأضواء ببساطة وتواضع من دون غرور، يعطي من خبرته بلا حدود لتكون القطعة النحتية من كل قوته وقوة أحاسيسه هو واحد من فناني الذاكرة النحتية في محافظة اللاذقية، لأنه أعطى لقاصديه إرثاً حقيقياً معرفياً نحتياً في اختصاصه بالنحت على الصلصال.
منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1984، واظب على نشر المعرفة في اختصاصه الدراسي (النحت)، ليدرّس في معاهد ومدارس ومراكز الفنون النسوية والتشكيلية والتطبيقية في محافظة اللاذقية وليكون في كل هذه المحطات معطاءً وبشغف لمهنة النحت التي استنزفت كل أحاسيسه ووقته ومحبّته، في عمله في مركز الفنون التطبيقية كان لنا معه اللقاء التالي.

 

* أنت ملكُ الصلصال، كما يطلقُ البعض عليك، فلماذا تعلقك بالطين دون سواه؟
** النحت بالأصل هو علاقة متينة بين الكتلة والفراغ، وكلما كانت العلاقة حميمية بينهما كان العمل أجمل، كثيرة هي المواد التي يمكن للنحات أستخدامها اليوم من خشب وحجر ومعدن وطين وحتى بلاستيك، لكن الطين هو عشقي، وهو أساسي لكل هذه المواد، فالمتمكّن في الطين متمكن في بقية المواد.
لكني أفضل الطين لأنّه مادة طبيعية مطواعة، أتكيف بها كما أشاء، أعطيها من قوتي وأحاسيسي، أشارك الطين أحاسيسي وانفعالاتي وللطين أيضاً إحساسه الذي يشبه إحساسي، علاقة وطيدة وحميمية تربطني بالطين الذي خلقت منه وإليه سأعود.

الطين أو الصلصال مادة الحياة هي مادةٌ تمتص كل الطاقة السلبية من الإنسان وتعطيه طاقة إيجابية، هناك سهولة في التعامل معها أو التكيّف بها تطيعني إذا أخطأت بها أو معها، ويمكن تحسين الخطأ وترميمه، الفنان يجب أن يخطأ لكي يتعلم ويستفيد من الخطأ، عند الانتهاء من تشكيل الطين نصب له قالباً وبعدها يتم شويه في الفرن ثم يصبُ عليه الجص أو الحجر الصناعي أو البوليستير ونكسر القالب، وهنا تظهر جماليّة العمل وموضوعه، عندها نقوم بتلوينه بطريقة التعتيق (بلون البرونز أو النحاس أولون الخشب) أو طريقة لون الحجر الصناعي، وهذا يعود للنحات نفسه ليختار المادة التي يحب أن يلوّن بها وتنسجم مع العمل وموضوعه.
* قلائل من النحاتين الذين يتعاملون مع الصلصال فلماذا برأيك؟
** لكلّ نحات ذوقه وتأثره بمادة ليتفاعل معها ويعطيها من إحساسه ولتبادله هي الأخرى أحاسيسه، وأعود لأذكّر أن النحت بالصلصال هو الأساس لأيّ نحات، النحت بالصلصال علم وعالم قائم بذاته له قواعده وقوانينه وطرقه، وإن لم يعرف النحات هذه الأصول والقواعد فلن يكون نحاتاً أصيلاً، من خلال خبرتك في مجال النحت بالطين، هل تراه مزدهراً، سيّما أنّ في جنباته تنضوي إبداعات الخزف التي تشكل جزءاً من هويتنا الثقافية؟
للأسف ليس هناك اهتمام كافٍ في هذا المنحى، فلا يخفى على أحد أن النحت بالصلصال هو العصب الأساسي في صناعة الخزفيات التي تؤكد الدراسات العلمية اليوم على أنّها صحيّة ومهمٌ استخدامها في مطابخنا المنزلية واستخداماتنا اليومية، إضافة إلى أن الخزف يشكل وجهاً من إرثنا وهويتنا وتراثنا الثقافي الذي يجب الحفاظ عليه، وصناعة الأواني الخزفية التي كان أجدادنا يستخدمونها تشكل صلب النحت بالصلصال وهنا ما نحاول عليه التركيز في مركز الفنون التطبيقية الذي يعتبر مختبر فني عملي لدروس النحت بالصلصال خاصة.

 

وهناك إقبال مقبول جداً من قبل الطلاب على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية والدراسية أو الحياتية، يشكل المركز عامل جذب لهم لأن في المركز هامش كبير من الحرية في العمل، فلا علامة تقييم ولا امتحان ولا عوامل خوف أو قلق فيه، بل للطالب كامل الحرية في الاختيار والعمل والتنفيذ في مناخ حرية فنية كاملة يوفرها المركز، وهذا عامل مشجع، وأنا ملتزم بدعمي اللامتناهي لطلاّب النحت وتقديم كل ما يلزم من معلومات وخبرات وجهد، ليظلّ هذا الفن التطبيقي الهام مزدهراً، ومركز الفنون التطبيقية في اللاذقية هو المركز الوحيد الذي يدرس هذا الاختصاص (النحت) الذي لا نجده في كلية الفنون الجميلة في جامعة تشرين إذ تقتصر الكلية على اختصاصي التصوير والعمارة الداخلية، لكنّ الشيء الوحيد الذي ينغّص عملنا في المركز هو الانقطاع لساعات طويلة في الكهرباء، مما يعيق دروسنا وإنجازاتنا ومتعتنا في الإعطاء، لاسيّما أن عملنا يرتكز بشكل كبير وأساسي على فرن الشي للخزف، وحتى وجود الإنارة في قاعة العمل وخاصة في فصل الشتاء.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار