العدد: 9492
الأربعاء:18-12-2019
إذا أجمعنا بأن عمل المرأة في بيتها (كربة بيت)، مهنة أو وظيفة لها شروطها وغاياتها، ألا يحتم ذلك إذن أن تتقاضى عليها أجراً، حالها في ذلك حال كل الوظائف والمهن الأخرى؟
وإذا اتفقنا على أن عمل ربة البيت لا يرتبط بساعات دوام محدودة بخلاف المهن الأخرى التي نوقع فيها الحضور والانصراف، ألا يعني هذا أن راتب مهنة (ربة البيت) يجب أن يكون مضاعفاً؟
لكن تساؤلاً آخر مضاداً يطرح نفسه: أليس عمل المرأة في النهاية في بيتها واجباً يتعين أن تؤديه عن رضا وطيب خاطر، وبالتالي يجب ألا تبتغي من ورائه شيئاً إلا… الحب؟
وبين التساؤل والتساؤل المضاد، نتأمل كيف تنظر ربات البيوت إلى (وظائفهن) داخل البيت؟ ماذا ينتظرن من وراء شقائهن وتعبهن؟ وكيف يقيّم الأزواج وظائف زوجاتهم كراعيات لبيوتهم وأولادهم؟
على لسان ربات البيوت، جاءت القصص ومن قلوبهن خرجت الشكوى المعجونة بالاحتجاج والغضب وقلة الحيلة.
تقول سميرة. ع بنبرة تعكس مزيجاً من الغضب والعجز: لقد حولني زوجي إلى موظفة في مؤسسة الزوجية، وجوابه جاهز دوماً على لسانه في كل مرة أشكو فيها من التعب، يجب أن تجربي حياة الموظفات حتى تشكري الله على النعمة التي تعيشين فيها، وتأخذنا معها سميرة في رحلة شقائها كما تصفها فتقول: تبدأ رحلة شقائي اليومية في السادسة والنصف صباحاً حين أستيقظ لأجهز أولادي الثلاثة للمدرسة، وحين ذهابهم أباشر مهمتي التالية مع زوجي هذه المرة، فأحضر له طعام الإفطار وأجهز ملابسه وما إن يغادر حتى أسارع إلى ترتيب البيت وتنظيفه قبل أن أدخل إلى المطبخ لتحضير طعام الغداء، وعند عودة الأولاد عليّ أن أساعدهم على الاستحمام وتناول الغداء ومتابعة واجباتهم المدرسية، ليحل المساء وأنا منكبة معهم على طاولة الدراسة، ومع عودة زوجي إلى البيت أول الليل تكون مهمتي مع أولادي قد أنجزت على أكمل وجه لأتفرغ له قلباً وقالباً.
وتصف سميرة نفسها بأنها موظفة مجتهدة، موضحة: تراني أحضر له العشاء، ثم أرافقه إذا ما رغب في الخروج دون أن يستجيب يوماً لرغبتي في البقاء، وأخذ قسط من الراحة خاصة بعد خلود الأولاد إلى النوم، وبناء على تجربتها تقول سميرة: إن الرجل أناني لأنه يريد كل شيء، فها هو زوجي يريدني أمّاً مثالية وزوجة مطيعة ومسايرة وربة بيت نموذجية، أما الثمن فهو مدفوع مقدماً في عقد الزواج.
ومن دون تردد تؤكد رانيا. ح بالقول: ست البيت موظفة عند زوجها بكل المعايير والمقاييس، لأنها تقوم بمهام يومية إجبارية كأية موظفة رسمية تعمل في مؤسسة أو شركة، لكن الفرق يكمن في درجة إقبال كل من الموظفة وست البيت على وظيفتها، فــ”ست البيت” تعمل من كل قلبها لأن المعني بالموضوع زوجها وأطفالها، لا أشخاص غرباء تربطها بهم مصلحة مادية، وتضيف: إن ربة البيت تتعب كالموظفة وأكثر فأعباؤها ومهامها، لا ترتهن بساعات دوام محددة، ما يجعلها تعيش في حالة توتر دائم.
ولا تخفي هدى الدور الصعب الذي تلعبه ربة البيت الذي يفوق مهام الموظفة ألف مرة إلا أنني أقوم به بكل رحابة صدر، وأعتقد أن زوجي هو المسؤول عن منحي هذا الرضا النفسي، وترى هدى: أن ثقافة الزوج تلعب دوراً رئيسياً في تحديد المسمى الذي تناله المرأة في البيت فإذا كان وعيه محدوداً فسيحول زوجته إلى عاملة عنده لن يقصر في استنزاف جهدها، أما إذا كان ناضجاً فكرياً فلن يتملكها أي شعور بالدونية لأنها في نظره وفي نظر نفسها شريكة لصاحب البيت في الإدارة وكل ما يتعلق بأمور تلك المؤسسة، بناء على ذلك تنكر هدى أن تكون موظفة عند زوجها، فأنا أنال حقوقي قبل أن أقوم بواجباتي وهذا ما يجعلني ربة بيت محظوظة، والفضل الأول والأخير هنا يعود إلى زوجي الذي يقدر جهودي ولا يتردد في كيل الثناء والمديح لسياستي في إدارة المنزل.
قد تعتاد ربة البيت على واجباتها المنزلية فتصبح جزءاً من ديناميكية حياتها اليومية وعلى الرغم من مشقة عملها المتواصل، إلا أنها لا تشكو ولا تتذمر، إلا إذا حاولنا أن نعزف على الوتر الحساس، فماذا يوجد خلف ستارة اللاشكوى؟
تلفت حلا أحمد الانتباه إلى أن المرأة هي التي تختار بإرادتها الخالصة العمل في بيتها، لذا يجب أن تتوقع كل أنواع الضغوط الممكنة، التي قد تدفعها إلى الشكوى والتذمر، ومع ذلك فشعور الزوجة بأنها مجرد موظفة عند زوجها وأولادها موجود عند الكثيرات ولا يمكننا تجاهله، ولا تنكر حلا المزايا الكثيرة التي تتمتع بها الموظفة: فعلى الأقل سيقدر زوجها أي جهد قد تقوم به داخل المنزل لأنها في نظره امرأة عاملة تستحق على الأقل بعضاً من استحسانه الذي لا تحظى به للأسف ربة البيت، وكما تحمل حلا الزوج مسؤولية الضيق النفسي الذي قد تعانيه ربة البيت، فالفضل يعود إليه في المقابل إذا ما نظرت إلى مهمتها في البيت على أنها أحلى ما قد تقوم به المرأة، فرعاية الأطفال وإرضاء الزوج أمران يهبانها شعوراً عارماً من الرضا عن الذات، الأمر الذي يجعلها تختار البقاء في البيت ولو عرض عليها عمل براتب ممتاز، وهذا ما يقودها إلى القول: حين نختار “ربة البيت” كمهنة فإننا نكون بذلك قد قبلنا العمل دون أجر أو راتب شهري ولكن هذا لا يمنع أننا نرغب في لفتة تقدير معنوية جميلة من أزواجنا يعربون من خلالها عن امتنانهم لما نفعله لهم ولأطفالنا، الأمر الذي من شأنه أن يزودنا بدفعة معنوية عالية.
وتعتقد فاطمة أن اللوم يقع على ست البيت حين تعجز عن تنظيم وقتها، على اعتبار أنها غير ملزمة بوقت محدد لأداء مهمة معينة، ما يدفعها لاستغلال الـ 24 ساعة للقيام بوظائف قد تنجز في نصف الوقت تقريباً، الأمر الذي يجعلها في النهاية تشكو كثرة الأعباء الملقاة على كاهلها، وهذا الوضع يؤكد كما تقول: دور ست البيت في تحويل نفسها إلى آلة بيد زوجها الذي لن يتوقف عن استغلالها لمصلحةبيته ونفسه بالدرجة الأولى، مستدركة: وإذا كان علينا ألا نغفل الوجه الآخر للأزواج فالرجال ليسوا نسخة طبق الأصل عن بعضهم، وهنا يظهر دور وعي الزوج في تقدير عمل زوجته (ست البيت).
وحارت النساء في ما بينهن، ففي الوقت الذي حسدت فيه ربات البيوت الموظفات على عملهن الذي يجدنه أقل مشقة ومسؤولية، علت أصوات الموظفات معترفات بأنهن يحسدن ربات البيوت على النعيم الذي يعشن في ظلاله.
فرح .س – واحدة من الموظفات الراغبات في إعادة عجلة الزمان إلى الوراء لتعود ربة بيت كما كانت في السابق، حتى وإن ظلت تعمل في البيت ليل نهار، وتوجه رسالة لكل ربة بيت متذمرة مفادها: “اضحكي في سرك على العمل موظفة في البيت، تكفي القيمة المعنوية والإنسانية التي تحظين بها بعيداً عن الإزعاجات الخارجية، التي يمكن أن تحرق أعصابك”.
وتنتقد فرح بشدة ما جاء على لسان ربات البيوت بتسمية أنفسهن موظفات، فما هذه الوظيفة التي تبدأ صباحاً بشرب فنجان القهوة مع الجارات، ثم الانخراط في “القيل والقال” على الهاتف حتى تخلص ساعات النهار؟ أما عن أعمال المنزل التي ترهق كاهلهن فتقول: مع توافر هذا الكم من التسهيلات، لا أجد ما يحمل ربات البيوت على التذمر واعتبار واجبهن عملاً شاقاً، ثم من قال إن الموظفة لا تقوم بدور ربة البيت؟ على العكس فعملنا مضاعف، إذ ما إن نغادر مكان الوظيفة حتى نتحول إلى ربات بيوت، نسعى إلى تلبية طلبات الزوج والأولاد متحاملات على التعب الذي خلفته ساعات الوظيفة علينا.ومن دون أي مقدمات تلقي نانسي سعد اللوم على “ربة البيت” المسؤولة الأولى والأخيرة، كما ترى عن إتاحة الفرصة إلى زوجها بتقليص دورها الحيوي في البيت وتحويلها إلى مجرد “ مدبرة منزل” في إمكان أي امرأة أخرى القيام بدورها،، مؤكدة: فالمرأة ومنذ أيام الزواج الأولى ترسم ملامح شخصيتها، وتحدد موقعها بالشكل الذي تريده، وتشير نانسي إلى أن أولى الخطوات الواجب على ربة البيت اتباعها تعليم زوجها ومن ثم أطفالها كيفية الاعتماد على النفس، وترتيب أمورهم في حدود إمكانياتهم لتترك لنفسها المجال ولو قليلاً من أجل ممارسة الجوانب الأخرى في حياتها كامرأة بعيداً عن الواجبات المنزلية، فإذا كان الرجل إفراز بيئة تتعاطى مع الزوجة كمستخدمة عند زوجها، يتعيّن على الزوجة حينها أن تتبنى موقفاً حازماً، وأن تبين له أن إدارة البيت وتربية الأطفال والإشراف على شؤون البيت عموماً، عمل منتج كأي عمل آخر خارج البيت، وتقف نانسي موقفاً معادياً تماماً إزاء مسألة المكافأة التي قد تلمح إليها ربة البيت كأجر لها، فالأجر الذي تطالب به الكثيرات من ربات البيوت أشبه بالسكين الذي تمنحه الزوجة لرجلها بنفسها، لتظل طول عمرها تعيش تحت رحمته، فما دامت تتقاضى مقابلاً لجهدها، فلن تملك الحق بعد ذلك بأن تطالبه برد اعتبارها الذي فرطتت به منذ أن زايدت على أمومتها وواجبها.
وسألناهم: هل الزوجة “ ربة البيت” موظفة بلا راتب، كما تدّعي هي نفسها؟ أم أن ما تقوم به لا يتعدى كونه واجباً من الواجبات المفروضة على كل زوجة وأم؟
فراس سعيد من الأزواج الذين لم يترددوا في الإجابة موضحاً بقوله: لا يختلف اثنان على أن ربة البيت وظيفة، ووظيفة صعبة إذا ما قارناها بالوظائف التي تمارسها النساء العاملات خارج البيت، وإذا كانت الوظيفة عادة تقتضي وجود رئيس ومرؤوس فإن الحالة هنا مختلفة، لأن العلاقة الزوجية لا تدخل في إطار موظف ومدير بالمعنى الرسمي، وإن كانت تعكس بطريقة من الطرق شكلاً من أشكال التوظيف، خاصة عند ربة البيت بصفتها الطرف المتضرر أولاً وأخيراً في هذه العلاقة.
ويرى فراس أنه ليس السؤال ما إذا كنا كأزواج ننظر إلى نسائنا على أنهن موظفات عندنا وعند أولادنا، فهذا هو الواقع بلا إضافة أو نقصان، فطلبات الرجل والأولاد تستهلك طاقة الزوجة التي لا تقصر في تلبيتها عن طيب خاطر، على الرغم من التعب الذي يلحق بها جراء العمل المتواصل في البيت منذ الصباح وحتى المساء، وعلى الرغم من وعي فراس بهذه الحقيقة، إلا أنه يصر قائلاً: كل ما تقوم به ربة البيت ليس إلا واجباً محتماً عليها، بغض النظر عمّا إذا كانت تعتبر نفسها موظفة في بيتها أم لا.ولا يصدق فراس أن تسعى الزوجة إلى الحصول على مقابل نظير أتعابها في بيته، فالزوجة تخدم بيتها وأولادها بشكل فطري بعيداً عن أيّة أطماع، وحين يدرك الزوج الناضج أبعاد تضحياتها فإنه يعمد إلى مكافأتها دون أن يستعمل كلمة “ مكافأة” كأن يقدم إليها هدية في مناسبة ما أو قد يأخذها في رحلة أو “سفرة” من وقت إلى آخر، بغية إبعادها عن أعباء البيت المرهقة.
من جهته يرفض يامن أن ينظر الرجل إلى امرأته نظرة السيد إلى الأجير، فإذا آمنا بأن “ ربة البيت” موظفة، فإننا يجب ألا نتجاهل إقدام المرأة نفسها على التطوع بهذه الوظيفة بمحض إرادتها، وهو ما يجعلها تتحمل عبء مهامها الكثيرة والمرهقة مع زوجها وأولادها، حتى وإذا اشتكت أحياناً من ضغط العمل الطويل، وهذا ما يدفع يامن إلى الاعتراف: نعم لا أنكر أن زوجتي تتذمر ولكن ما يخفف عنها هو تقديري جهودها، الأمر الذي يساعدها على المضي قدماً في مشوار طويل، سيظل يستنزفها إلى ما لا نهاية.
ويهاجم يامن النساء اللاتي يعتبرن أنفسهن خادمات عند أزواجهن، فلا أعتقد أن الرجل مسؤول عن زرع الشعور بالنقص عند ربة البيت، فهي حرة إن اعتبرت نفسها خادمة أو أجيرة، ما دامت لا تعرف الفرق بين واجبها وأوهامها، التي قد تغذيها في مخيلتها، أما عن نفسه فيقول: زوجتي شريكة في مؤسسة الزواج وليست موظفة بالمعنى الحرفي للكلمة وإن شعرت أحياناً ببعض الإرهاق الذي لا أشعر به نتيجة الأعباء المنزلية الملقاة على كاهلها، إلا أنني لا أقصر من جانبها، فأنا أسلمها في يدها شهرياً نصف الراتب الذي أتقاضاها.
وهل تعتبره أجراً لها؟ إذا اعترفت بأنه أجر فسأقر بأنها موظفة عندي، لذلك سأقول إنني أعتبر زوجتي مديرة أعمالي، التي تصرف شؤون المنزل. وها هو أسامة يشير إلى قبول المرأة منذ بداية العلاقة الزوجية لعب دور “ ربة البيت” سواء أكان ذلك عن وعي كامل بأهمية هذا الدور الإيجابي دون إلمام بخلفية هذه الوظيفة الإنسانية، التي يراها أهم من أي وظيفة أخرى قد تقوم بها، وحول ما إذا كان يكافئ زوجته بما تستحقه عن دورها، يقول: إن المكافأة لا تكون بهدية أو تقديم مبلغ من المال كأجر، إذ يكفي أن تتلقى الزوجة المعاملة الحسنة والتقدير المعنوي لتشعر بأنها سيدة منزلها، وليست مجرد موظفة في ذلك المنزل.
ويؤيد سامي ما قيل بشأن اختلاف ربات البيوت في فهم معنى الواجب، فإذا أصرت ربات البيوت على تسمية واجبهن وظيفة بلا أجر، فليس غريباً أن نسمع احتجاجاً آخر من الأزواج يشكون فيه من واجبهم الذي حولهم إلى موظفين عند زوجاتهم، اللاتي يحصلن على زبدة تعبهم أول كل شهر.
ويعتقد سامي بأن المسألة في جوهرها أكبر بكثير من الاحتجاج على وضع مرهق، ليس في النهاية إلا سنّة من سنن الكون، فكما تتعب ربة البيت، يتعب رب البيت حين ينفق عمره في السعي وراء لقمة عيش أولاده وامرأته، دون أن يمّنن زوجته بما يقدمه لها، مستطرداً: لذا ليس من حق ربة البيت أن تطلب مقابلاً لرعايتها أولادها وزوجها، محوّلة نفسها إلى أجيرة ومستخدمة في البيت، وهي أكبر من ذلك بكثير.
ريم ست الدار