العـــــدد 9482
الأربعـــــــاء 4 كانون الأول 2019
يُواجه قطاع الإعلام تحديات كبيرة تنحصر بين صعوبة الأوضاع الاقتصادية الكبيرة والأزمات المعيشية الخانقة وضآلة الهامش المتاح له مما يجعل المؤسسات الإعلامية عاجزة إلى حد ما عن مواكبة عموم مثيلاتها في مختلف الأصقاع، وذلك ما يضطر الكثير منها للاعتماد على الدولة التي تعمل في كنفها للاستمرار على قيد الحياة ولإنتاج وتقديم أجود رسالة إعلامية يستفيد منها المتلقي، وفي نفس الوقت يُعاني المناخ الإعلامي صراعاً بين عدد كبير من الفضائيات التي تبث من دول عديدة ومختلفة و تتنافس للاستحواذ على اهتمام المواطن عن طريق بث عدد ساعات مبالغ فيه من المواد الترفيهية أو حتى صناعة معارك سياسية وهمية في محاولة للفت نظر المواطن لها بعيداً عن القضايا الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة الحرجة، مع الانتباه إلى تأثير البث والنشر لعدد كبير من الرسائل الإعلامية في ألوف مواقع التواصل على شبكة الإنترنت والتي أصبحت بدورها بمثابة غول إعلامي يهدد البنيتين الثقافية والاجتماعية للمجتمع برمته.
يُؤكد عدد من الخبراء على أن المناخ الذي يعمل فيه الإعلام غير كاف لتحقيق الطموحات الذي يسعى إليها الإعلاميون، فمن الجانب السياسي لا يزال جانب الحريات غير متناسب مع طموحات العاملين في مجال الإعلام وحتى الجمهور للحصول على خدمة إعلامية تتماشى مع العصر الحالي في ظل تغير غير مسبوق في قطاع الاتصال والمعلومات، ويُلاحظ أن المناخ الاقتصادي والمالي السائد حالياً لا يسمح لكثير من المؤسسات الإعلامية بالتطور المطلوب فضلاً عن استحالة منافستها لوسائل الإعلام في الخارج وخصوصاً بعد أن أصبح الاستثمار الجاد والمجدي في مجال الإعلام يتطلب توافر رؤوس أموال طائلة للإنفاق على مُدخلات صناعة الإعلام والتي أصبحت تقوم في جانب كبير منها على تكنولوجيات حديثة ومتطورة يتم استيرادها من الخارج، وفي ظل الأوضاع السائدة التي تعمل بها المؤسسات الإعلامية فإن غالبيتها تحصل على دعم ورعاية رسمية وتتكفل الحكومة بتأمين ودفع التدفقات المالية اللازمة لاستمرارها.
تجدر الإشارة إلى ضرورة إحداث خطاب إعلامي جديد يُركز بالأساس على تلبية احتياج المواطن متلقي الرسالة الإعلامية ويستلزم هذا الخطاب التوصل إلى أُسس ومبادئ عمل ثابتة لا يكون فيها الإعلام مجرد إعلام أزمات ينشط فقط خلال فترة الأزمات السياسية العاصفة بالبلاد، مع ضرورة توفر فرصة حرية تبادل المعلومات بين مختلف المؤسسات الإعلامية الموجودة على ساحة الإعلام وتوفير المناخ المثالي لإطلاق طاقات العمل الكامنة في أوردة الكوادر الإعلامية المتحلية بقدر كبير من الوطنية و الكفاءة و المهنية.
يحتاج تأسيس الخطاب الإعلامي إلى قرار سياسي يحدد سقف الحرية الممنوحة لوسائل الإعلام وهو السقف الذي يرتفع أو ينخفض تبعاً لحدود الهامش الذي تسمح به الدولة مع ضرورة عدم الانزعاج من ظهور أي ممارسات تشوب هذه التجربة في بدايتها ويُلاحظ أن دور الإعلام في الفترة الأخيرة لم يتعاظم فقط بسبب فاعلية التقنية الرقمية المتسارعة التي تحققت، ولكن بسبب زيادة الوعي بأهمية حرية التعبير وإبداء الرأي وانتشار ثقافة حقوق الإنسان وبات لوسائل الإعلام دور فعال في التعبير عن هذه الثقافة الجديدة التي تُعد وجه آخر لأزمة الإعلام المعاصر الذي يعاني بعضه من الضيق في هامش الحرية الممنوحة له.
د. بشار عيسى