العـــــدد 9478
الخميــــــس 28 تشرين الثاني 2019
بعيداً عن المشهد الســــياســـي وتشابكاته، والدولار وجنونه، والأسواق وضجيجها، والأسعار وتقلباتها، حاولت أن أغمس قلمي في حبر الحقيقة، وأرصد جانب حياتنا الاجتماعية حيث هي الأخرى مثقلة بالأوجاع وتقلّب العباد وتسيّد الظنون.
كثير من الأصدقاء والأصحاب والمعارف الذين التقيهم أو يزورونني بموعد أو بلا موعد وبعضهم كان في موقع المسؤولية لسنوات طويلة يتندرون على زمنٍ قلَّ فيه الوفاء وغابت المودة وانقطع التواصل مع الأصدقاء والأقرباء والأصحاب.
في المراجعة النقدية لعلاقاتنا الاجتماعية وتقلباتها ومطباتها الكثيرة يبرز سؤالان يقول أولهما: ألم يخب ظنك في أناس اعتقدت يوماً أنهم أصدقاء وعندما تغيرت الأحوال ابتعدوا عنك وبدؤوا يشرحونك بزعم أنهم يعرفونك عن قرب وكأنهم للتو اكتشفوا أخطاءك ونواقصك وعيوبك..؟.
بالمقابل يقول السؤال الثاني: أما ندمت على مواقفك العدوانية من أشخاص حسبتهم حساداً وكارهين ومناوئين مغرضين في حين برهنت الأيام أنهم كانوا ناصحين صادقين، وإن جاءت نصائحهم قاسية وعباراتهم فجة ثقيلة على السمع و القلب معاً. ربما لخّص السؤالان أعلاه محور الكثير من علاقاتنا الاجتماعية كونها على غاية الأهمية والشفافية والمباشرة، وبالتأكيد سينقسم الجميع حول الإجابة، وسيجد كل منا مساحة للتعبير عن مواقف امتحانية قاسية تعرّض لها يوماً وأصابته بالصدمة الناشئة بالدرجة الأولى عن عدم فهم الناس والنفوس والطبائع على حقيقتها، وبالتأكيد سيضع الكثير منا باللائمة على قلة الخبرة في الحياة أو اندفاعة الشباب، أو تغليب الهوى والانفعالات على العقل والحكمة والخبرة.
سيد الحكمة الإمام علي كرم الله وجهه سهَّل علينا المسألة كثيراً عندما قال: «إذا أقبلت أيامك استعاروا لك محاسن غيرك، وإذا ادبرت سلبوك محاسنك».
لأنّ حياتنا الاجتماعية ميدان تجارب كما حياتنا الاقتصادية فمن الحكمة القول: إنّ الثقة المطلقة بكل الناس خطأ وسوء الظن بكل الناس خطأ أيضاً تساوماً مع الحكمة القائلة: إنّ سوء الظن إثم، ومع أختها التي تقول: إنّ سوء الظن من حسن الفطن، ولأننا ابتعدنا عن الحكمتين كثيراً ما نتأخر في اكتشاف طبيعة الناس وجوهر شخصياتهم بعدها نصبح أكثر واقعية وحكمة في التعاطي معهم وغالباً بعد فوات الأوان.
إبراهيم شعبان