خــوّان يا زهــر الرمـّـان!

العـــــدد 9478

الخميــــــس 28 تشرين الثاني 2019

 

 

وحده المطر، يحثّ الخطوات نحو انتهائه، يستعجل الضياع في أقنية محسوبة عليه وقد حُشرت فيها بقايانا اللا مسؤولة، يتزاحم السقوط وكأنه في مهرجان رقص على باب كهفٍ نسى كل ذكريات الأقدمين، وحده كان صباح أمس يعوّض غياب الكهرباء عن آخر الليل وأول النهار، ووحده سيلبس تهمة المجيء بغتةً ففاجأ البلدية التي تضبط مواعيدها على الشكوى، وقد أدمنت تطريز الردود!
وحده المطر فرض على من نست مظلّتها أن تصل مكان عملها دون مكياج، وليته لم يفعل ذلك، مع أنّ الوصيّة الذهبية أن تحتفظي عزيزتي بكامل عدة التزيين في حقيبتك، لأنّ مثل هذه الصراحة (القاتلة) تعيد بناء وجهات نظرنا في الجمال!
وحده المطر، استطاع أن يغلق النوافذ حتى لا تخرج روائح حديثنا، أو لا تصل وصلة (الطرب) القسرية عند الساعة الأولى من كلّ يوم حين يعود جارنا (سائق تكسي) ويجبر الناس في الحيّ على الاستيقاظ!

 

ولأنه (أي المطر) بكلّ هذا الوضوح، نحبّه، لم تمنعه السيوف ولا القنابل من الحضور، لم يلتفت لسوء الوضع المعيشي، لم يضع أي شروط مسبقة، فقط حان أوانه فأتى رسولاً من خالقٍ عظيم يمسح عن وجوهنا الكآبة، ويزرع في قلوبنا الدعاء (الله يبعث الخير)، يقولها حتى من تجرف السيول أركان عيشه!
خوّان يا زهر الرمّان، قلتها لصديق، وبعد سنوات جاء يسألني عن قصدي، فقلتُ: قف ربع ساعة تحت المطر، اغتسل بمياه لم تُجبر على المرور بأقنيةٍ وقساطل ولم يعكّرها الكلور، دع الريح (تفرك) جلدك، وارمق السماء بعين صادقة، ستعلم أن المصابيح التي لا تشعّ لا قيمة لها، وأنّ الدروب التي لا يسلكها الطيّبون قفرة، وأنّ الحياة لولا بوح عاشق مثل عشّ هجره الفراخ منذ زمن، وأنّ (الرمّان) على كلّ فوائده إلا أنّه يرفع (الضغط)، وتبقى آثاره (سوداء) على الأصابع التي تفرط حبّاته، وأن العمر مستحيل أن يكون بلا شوائب، فما عليك وأنت أعجز من تفسير ومضة برق، إلا أن تنحني لعظمة الله في داخلك، إن نسيتَ أن تفعل ذلك كلّ لحظة.
للفت الانتباه، لو أنّ كلّ زهر الرمان يتحوّل إلى ثمار، لما بقيت شجرة رمّان سليمة، ولتكسّرت أغصانها لأنها لن تستطيع حمله كلّه . .
وهناك، في مكان بعيد عن عيوننا، قريب من قلوبنا، لنا أحبّةٌ يتمترسون خلف الضباب، يلتحفون (الغيم الأزرق)، ينشدون أغاني الرعد، ويهطلون في الساحات ميامين أشدّاء، لهم الحبّ والصلوات والدعاء بالدفء وبكلّ ما هو جميل . . حماة الديار عليكم سلام، حماة الديار عليكم سلام . .

غانــــم محــــــمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار