في الـ «أنـــــــــــــــــا»

العـــــدد 9477

الأربعــــاء 27 تشرين الثاني 2019

 

 

تنتشر مراكز معالجة الأورام في عواصم العالم وتأخذ حيّزاً غير عادي من اهتمام معشر الأطباء، ولعلّ كلَّ يومٍ يمرّ يحمل احتمالَ حلولٍ لبعث ِتويجة ورد في غسّان قلبٍ معنّى، ذلك التكاثر قد تكون لدى أصحابهِ فرصٌ تفتح أمام أعينهم نافذةَ ضوءٍ منتظر… ولكنَّ التكاثرَ الأصعب هو ذلك التضخّمُ اللامادي والذي لو تجسّد لبصر العين لكان أضخم وربما صار كائناً فظّاً يستوحشهُ الناسُ جميعاً وينفرُ منهُ حتى صاحبُه؟!
والشعراءُ الحقيقيّون أوّلُ ما يميّزُهُم هو ملَكاتُ الخيال الواسع لديهم، وقد يدعوهمُ ذلك إلى تخيُّلِ غيرِ المألوف، رُبّما ليؤكّدوا على حُسنِ طبيعة الأشياء وفطرتها الجميلة، يقول نزار قبّاني: (تخيلْتُ حتى جعلْتُ العطورَ تُرى ويشمَّ اهتزازُ الصدى!)
فماذا لو ذهب الخيالُ بعيداً في تصوّر هذا الكائن السمج المتضخّم لدى بعضِهم، والذي اسمُهُ (الأنا)..؟
بأيّ مقياسٍ سيُقاسُ خيشومهُ وهل سيُقاسُ بالطول أم بالعَرض؟ وهل سيكتفي بثقبين، وما حجمُهما؟!، والأدهى والأهمُّ مَن يمكنُه ُاحتمالُ الرائحة التي ستخرج منه في اتجاهاتٍ شتى؟!
بعضُ المتثاقفين ما إن تضعُك المصادفةُ ذاتُ الفألِ السيّء في مجلسِهُمُ الفارهِ الفارغ، حتى يبدأَ بالحديثَ عن كُلِّ شيءٍ، أجلْ ، يتحدّث عن كُلِ موضوع: سماويّ أو أرضي، علمي أو أدبي ، خاصٍّ أو عام ، حاضرٍ عينيٍّ أو فائتٍ ماضوي، أو مستقبليِّ غيبي،.. ثمَّ لا ينسى أن يكون جُلُّ حديثهِ انتقاداً، فهو من بُرجٍ عالٍ يُطلق الأحكام، وينتقدُ كُلَّ شيءٍ ما خلا نفسَهُ، وإذا ما دققتَ في مفرداتهِ ستجدُ كيف أنَّ كلمة (أنا) تلقى عندهُ (السوابقَا والمُصلّينا)؟!
(أنا) المتثاقفين ليست وحيدةً في الساحة، بل لو أنك دققت لألفيت إلى جوارها (أنا) مُحدَثي النعمة، و(أنا) مستصلحي الذمم و(أنا) بنّائي القمم، ولعلّك تجد (أنا، المُطعِمُ الكاسي)، إن كنت ذا عقلٍ حاذق وبصيرةٍ ثاقبة، ذلك أنّ معظمَ هؤلاء عاشوا على الرياء وألفوا الهُراء ولم يروا في شجرة القيم الطيبة إلّا مجرّدَ مشجبٍ مقلوبْ، أو بقرةٍ حلوب!

مرهج محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار