العدد: 9292
14-2-2019
تاريخ لا يخضع للتكهنات ولا للاحتمالات، لأنه ليس بالتاريخ البعيد، إنما هو هذا الحاضر أمام أعيننا، وسنواته مازالت صورها لم تفارقنا وشخوصه مازالوا أحياء.. ومازالت دماء شهدائه نديّة.. فلسطين البلد العربي المغتصب، قضية العرب جميعاً، هذا البلد الذي تعرّض للاحتلال ولتكاتف قوىً عالمية عليه، مع هذا مازال لفلسطين نبضها القوي، ومازال الأمل والإصرار على استقلالها أمل كل عربي وكل وجدانيّ في هذا العالم، ومازال السلاح صاحياً وصاحبه مرابطاً يحمل في قلبه وعقله صدق القضية..
(عن اليهود ودورهم في تزييف حقائق التاريخ) كان للدكتور وحيد صفية محاضرة في ملتقى القنديل الثقافي ود. صفية دارس للأدب- العبري في جامعة القاهرة وأستاذ اللغة والأدب العبري في كلية الآداب جامعة تشرين، تمكّنه وإتقانه للغة العبرية قاده للبحث والدراسة بكل ما يتعلق بهذا المحتل وتاريخه المشؤوم…-
كانت بداية هذه المحاضرة مقولة للشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش حين قال:
يا آل إسرائيل.. لا يأخذنكم الغرور
عقارب الساعاتِ إن توقفت لابدّ أن تدور
إنّ اغتصاب الأرض لن يخيفنا
فالريش قد يسقط عن أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور
هزمتم الجيوش ..إلاّ أنكم لم تهزموا الشعور
ليتابع د. صفية محاضرته مستعرضاً فيها عدداً من المحاور منها تنوع أعراق اليهود والدول التي أتوا منها والأهداف التي وضعت للسيطرة على المنطقة العربية، وعائداً إلى الماضي والدين اليهودي وقضيّة داؤود إضافة إلى قضية الهلوكوست والتزييف فيها.. وفيما يأتي مقاطع هامة من محاضرته القيّمة التي بدأها قائلاً: أبدأ حديثي أيها السادة مستشرفاً للواقع، بل قارئاً له فأقول إنّه مهما برقت في سماء الصراع العربي الاسرائيلي بعض بوارق معاهدات السلام، فإن مؤشرات الأحداث بالنسبة لهذا الصراع تشير إلى احتمالات تجدّده، ونشوب الحرب في أية لحظة، ومن هنا فإن المعرفة العلمية بالواقع الإسرائيلي وبالإنسان الإسرائيلي ولغته، ونظرته إلى الإنسان العربي تصبح مطلباً، ومسؤولية تقع على عاتق المثقفين والباحثين العرب، الذين يهتمون بدراسة هذا الواقع وذاك الإنسان. الوضع الراهن في شرقنا العربي يحتّم علينا تعلم لغة العدوّ، فوراء كل لغة إنسان وحضارة وتاريخ وثقافة وعلى هذا فلقد عرف اليهود عبر العصور بأكثر من تسمية، فتارة نجدهم يسمون (بالعبرانيين) وتارة ثانية نجدهم يسمّون (بالإسرائيليين) وتارة ثالثة نجدهم يسمون (باليهود).
– ثم استعرض د. صفية الفروق في هذه التسميات ومردّها حين قال: إن (العبرانيين أو العبريين) مردها هذه التسمية إلى أحد الاحتمالات الآتية أولها نسبة إلى (عابَر) أحد آباء إبراهيم الأقدمين وثانيها أنهم عبروا نهر الفرات باتجاه بلاد الشام، فسمّوا على أثر رحلتهم هذه بالعبرانيين وبعض الدارسين يقول إنهم سموا كذلك لعبورهم نهر الأردن ويرى فريق آخر من العلماء، أن ثمة علاقة بين اللفظ (عبري) واللفظين (عبيرو) أو (خبيروا) اللذين يردان في المصادر المصرية القديمة والمصادر البابلية والآشورية، أما تسميتهم (بالإسرائيليين) نسبة إلى إسرائيل أي يعقوب عليه السلام بعد أن تمّ تغيير اسمه من يعقوب إلى إسرائيل على أثر الحادثة التي وردت في التوراة /الاصحاح الثاني والثلاثون من سفر التكوين الفقرات (24-28)/ أما التسمية (باليهودي) فلها دلالتان عامة وخاصة، الدلالة العامة تطلق على كل من يعتقد بالديانة اليهودية ويمارس طقوسها وشعائرها والدلالة الخاصة تشير إلى الانتماء إلى كيان سياسي جغرافي هو مملكة يهوذا التي ظهرت بعد انقسام مملكة سليمان ( 970ق.م- 931ق.م) والتي انقسمت إلى مملكتين (مملكة إسرائيل) في الشمال وعاصمتها (السامرة) ومملكة يهوذا في الجنوب عاصمتها (أورشليم).
– وينتقل د. صفية في تتابع حديثه عن اليهود ليتكلم بشرح مفصّل عن اليهود بفئاتهم المتعددة التي قدمت إلى فلسطين وهم يهود (الأشكيناز) الطائفة الأكبر من حيث التعداد والتي قدمت من ألمانيا وفرنسا والفئة الثانية (السفارديم) نسبة إلى (سفارد) التي تعني بالعبرية الأندلس أي إسبانيا اليوم وبالتالي السفارديم هم اليهود الذين كانوا يعيشون هناك وخرجوا مع العرب يوم خروجهم من الأندلس أما الفئة الثالثة فهم يهود الخزر وتعود هذه التسمية إلى بحر الخزر وهو اسم بحر قزوين قديماً وهم من أصل تركي، شكلوا مملكة سميت مملكة الخزر، أما بالنسبة لليهود في الفئة الرابعة فهم يهود (الفلاشا) وكلمة الفلاشا تعني المنفيون أو الغرباء وهم مجموعة سكانية من أثيوبيا (الحبشة) اهتم الكيان الصهيوني باستقدامهم من أجل تخفيف المشكلة الديمغرافية بفعل النمو السكاني عند العرب في فلسطين.
– أما بالنسبة لليهود في تزييف الحقائق فقد أوضح د. صفية العديد والعديد من زيف الحقائق نختار مما قال بعضاً كمثال : «وقف مناحيم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أمام العالم كله في الأمم المتحدة مدّعياً أن أجداده بنوا الأهرامات وهذا ليس بصحيح لأن الأهرامات سبقت دخول العبرانيين إلى مصر بقرون طويلة، وموقف آخر للتزييف عندما لجأ اليهود إلى الأسطورة من أجل إخفاء الأصل الحقيقي ليهود الخزر عندما زعموا أن الخزر أنفسهم كانوا من سلالة (يعقوب) إسرائيل ويمثلون ما أطلقوا عليه اسم
(القبائل العشرة الضائعة) وهذا ليس بصحيح وفسر د. وحيد صفية تلك الادعاءات بإثباتات تاريخية وتابع بموقف زيفٍ آخر عندما ادعى اليهود بأن (سام بن نوح) هو والد اليهود وحدهم لا يشاركهم في أبوته أحد سواهم مع أن الجميع يعلم بأن (سام بن نوح) هو أبا العرب جميعاً ولذلك ابتكروا مصطلح (معاداة السامية) على الرغم من أن 92% من اليهود كما أظهرت الدراسات اليهودية المعاصرة هم من الأشكيناز وليسوا ساميين ولا علاقة لهم بالسامية.
– وتابع د. وحيد جملة التحريفات اليهودية بقوله: «لم يقتصر الأمر عند اليهود على تحريف الحقائق التاريخية بل وصل الأمر بهم إلى تحريف كتابهم المقدس وتحديداً التوراة» واستعرض د. صفية جملة من هذه التحريفات في التوراة وقصص داؤود عليه السلام.
– أما المحور الأخير الذي تطرّق له د. صفية عن اليهود وتزييفهم للحقائق هو (الهولوكست) أو ما يسمى بالمحرقة اليهودية ويقول في ذلك «إنه عندما انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ودخلوا ألمانيا وجدوا أماكن بالفعل مستخدمة لحرق الجثث البشرية لكن ليس للغرض الذي ذكرته المصادر الصهيونية، بل لأن الحرب العالمية الشرسة التي كانت وقتها والتي كانت ألمانيا تخوض استنزاف قدراتها، وإمكانياتها فانعكس ذلك على البنية التحتية وخاصة الصحية الأمر الذي أدى إلى انتشار الأمراض السارية والمعدية مثل التيفوئيد والكوليرا هذا الأمر الذي أدى إلى حرق هذه الجثث واستخدام الهلوكوست كان من أجل الحصول على التأييد العالمي وتحقيق المكاسب من ذلك وكسب التأييد والتعاطف العالمي من باب عقدة الذنب.
سلمى حلوم