العدد: 9434
الخميس :26-9-2019
هي خربشات لأني لستُ مختصاً في دراسة الاقتصاد وقد لا أعرف كلّ مصطلحاته، وبلا أظافر لأن (محسوبكم واليوم 26 الشهر مفلّس ع الآخر)، ومع هذا تهمّني العبارة الأولى (سورية اليوم)، وفيما يخصّها أخلصُ الانتماء والحبّ ولا أضيّع البوصلة..
سأنتقل (من الـ أنا إلى الـ نحن)، والأمنية أن يلقي كلّ منّا نظرة فاحصة حوله سنعود إليها بعد أن نمرّ على بعض العناوين سريعاً..
يشكلّ التحدّي القادم للاقتصاد السوري بالقدر الذي يستطيع أن يعيد فيه ترتيب سوق العمل، وتأطيره بالشكل الصحيح، بحيث لا تختلّ العلاقة بين المنتج والمستهلك، وبين المدخلات والمخرجات، وهذه المسألة غاية في الصعوبة تحتاج باحثين لا مجرّد وجهات نظر..
سأسمح لنفسي بـ (اختراق جدار الصوت)، قبل أن أعود إلى (الخربشات) التي أشرت إليها فأقول: عندما تُطالب الدولة بدعم مستلزمات الإنتاج، وتيسير آلياته وأدواته وتفاصيله، وصولاً إلى دعم صادراته، ومن ثمّ التعويض عند كلّ هزّة، فكيف يكون الحكم على جدوى هذا الإنتاج؟
أبسّط الأمر فأقول: عندما تعطي الدولة السماد بسعر الكلفة، وتوفّر المازوت الزراعي بأقلّ من الكلفة، وتوزّع دواء مكافحة ذبابة الزيتون على سبيل المثال مجاناً، وعندما تُطالب بتوفير السوق الخارجية للزيت، وإعفاء مصدريه من الرسوم، وعندما تُطالب بالتعويض على المتضررين من الحرّ والحريق وغير ذلك، وبذات الوقت لا يدفع المزارع أي رسوم (ولا نطالب بإلزامه بأي رسوم، ولكننا نستعرض الواقع)، وبعد كلّ هذا تحلّق أسعار الزيت، ويرفض المزارع أي تخفيض على سعر منتجه (وأخصّ الزيت هنا)، فماذا أثمر كلّ الدعم السابق؟
علينا أن نتذكّر أن الناس في كلّ بلد نوعان: منتج ومستهلك، ولن أخوض في النسب لأنها يجب أن تكون معلومة لدى أصحاب القرار، وبالتأكيد فإن نسبة المستهلكين أكبر من نسبة المنتجين، وعلى الدولة (الأمّ) أن تقف في منتصف المسافة بين الاثنين هنا أخرج من (الزيت والزيتون) لأعمم القول على كلّ شيء . .
عكس التعليمات
حددت وزارة الزراعة ومديرياتها الأول من تشرين الأول حدّاً أدنى للبدء بقطاف الزيتون حرصاً على ريعية جيدة من الزيت . . نصف المنتجين بدؤوا القطاف منذ عدة أيام، وهؤلاء قبل غيرهم سيسارعون إلى الشكوى من سوء المردود وقد يطالبون بـ (التعويض)، أو على الأقلّ سيكون ذلك مبرراً لهم لرفع أسعار الزيت لاحقاً أو الردّ على الشكوى من رفعهم لهذه الأسعار . .
نحن هكذا، عندما نجد لوحة مكتوب عليها: ممنوع رمي القمامة هنا، نتذكّر أن بيدنا كيس قمامة فنرميه فوراً، وعندما نجد أخرى مكتوب عليها: ممنوع التبوّل هنا نستحضر نتائج تجربة بافلوف و(نعملها) فوراً . .
عذر بعض الذين بدؤوا بقطاف الزيتون أنّهم يخشون هجوم المطر فيصعب معه وصول الجرارات أو السيارات إلى أراضيهم، وبالتالي يصعب نقل المحصول . .
الفلاح (الخواجة)
سنبقى مع موسم الزيتون وهو الحاضر على الساحة حالياً، إذا أراد الفلاح أن يكون (خواجة)، ولا يعمل بيده، عليه أن يستعين بعمّال، أجرة العامل الواحد في اليوم خمسة آلاف ليرة إضافة لتكاليف مواصلاته وطعامه، وهنا مشكلة مجتمعية قبل أن تكون اقتصادية، ومع أنّ الكلام فيها قد يسبب الصداع إلا أنّه لا مفرّ من ذلك إن كنّا نرغب فعلاً بتلمّس الطريق الصحيح لتعافينا الاقتصادي والمجتمعي، وهناك من يعطي محصوله بالحصّة (والتي قد تصلّ إلى الثلث يأخذه من يجني المحصول، والثلثان الآخران لصاحب الرزق) . .
الفلاح (الخواجة)، واللهم لا حسد، ولا (ضيقة عين)، والله يبارك للجميع، لكن عندما يكون من لا يستطيع العمل في الأرض هو المالك، ومن يستطيع العمل لا يملك، فهذا يشير بشكل جليّ إلى خلل في معادلة الإنتاج الزراعي وإلى قفز فوق الشعارات وأهمّها (الأرض لمن يعمل بها)!
أعرف أن هذا الكلام لا يروق لكثيرين، وأنّه قد يبدو غير منطقي، ولا أطالب، (ولا يحقّ لي أن أفعل ذلك) بتغيير خارطة الملكية الزراعية، ولكني هنا أتحدث عن آثار الخلل الموجود فيها والذي ينعكس على الجميع..
وأيضاً…
دورة رأس المال غير الصحيحة في العقود الأخيرة قادت إلى هذه النتيجة، تحوّل الطبيب والمحامي والمدير العام إلى (ملّاك أراضٍ زراعية) دفع المزارع تحت وطأة الحاجة إلى بيع أرضه الزراعية لهذا (المدير أو المحامي أو الطبيب) فأصبح المزارع بلا أرض، وأصبحت الأرض التي اشتراها (المدير والمحامي والطبيب..) بلا عمّال زراعيين، فوقعت الخسارة في الاتجاهين، وتراجع الإنتاج، والخلل الذي نتحدث عنه قد يستغرق ضعف الوقت الذي أحدثه للعودة إلى ما كان عليه!
لا نتحدث عن دونم أرض ورثه هذا أو ذاك عن أبيه، نتحدّث عن تحولات كبيرة يعرفها المعنيون أكثر منّي، وكلّ ما أفعله أني أشير إلى بعض نتائجها..
الوجه الآخر لهذه المشكلة، هو أنّ حتى بعض المزارعين المالكين استوحشوا العمل في الأرض وسيطرت عليهم قناعة (أنّ كلّ شيء ضدّ الفلاح).. سيكون كلّ شيء ضدّ الفلاح عندما يكون هو ضدّ نفسه، عندما يريد أن يتحول إلى (خواجة) وإلى (مدمن فيسبوك وسهر)، فهنا سيدفع أجرة العامل وكلّ شيء ويطير نصف إنتاجه أو أكثر على أعمال هو مطالب بإنجازها بصفته مزارع . .
لن نعرّج على موضوع (خطف) فرص العمل، ولا عن زيادة أرقام البطالة حين نستثني العمل في الأرض من إحصاءات العمل، وعندما تبقى الوظيفة هي وحدها فرصة العمل!
نتحدث عن (إعادة إعمار) أكثر مما ننجز، وعن دعم الإنتاج الزراعي ونفعل عكس ذلك، وعن تسهيل إجراءات أو إيجاد حلول لمشاكل عالقة فنضيف كلّ يوم مشكلة جديدة . .
اقتراح موجع
دعم المزارع والإنتاج الزراعي فرض عين على الدولة، ولكن قبل أن تفعل ذلك على مخططيها وراسمي سياسات الدعم أن ينتبهوا إلى بعض التفاصيل التي تفقد هذا الدعم مضمونه وتحرفه عن مساره الصحيح..
يجب إعادة صياغة تعريف المزارع، وأن يشترط هذا التعريف التفرّغ الكلّي للعمل الزراعي وهنا يستوجب الدعم اللا محدود.
أن يكون هناك شرط عند التقدّم لأي مسابقة من الفئات الثانية حتى الخامسة، كأن يُمنع من التقدّم لها من يملك أكثر من خمسة دونمات صالحة للزراعة على سبيل المثال، وبمثل هذا الشرط تبقى فرص الوظيفة لمن هم أكثر حاجة، ونجبر من يملك مساحات زراعية على الاهتمام بعمله الزراعي أكثر لأنه سيكون مصدر دخله الوحيد، وبذات الوقت يخفّ الضغط على السلطة التنفيذية في موضوع توفير فرص العمل.
القانون السوري يضمن حقّ الملكية، وهذا أمر جيّد، لكن وبحثاً عن الانتعاش الاقتصادي الأفقي، لا بدّ من البحث عن طريقة ما تضمن استثمار كلّ شبر قابل للزراعة ولو بعقود استثمار لأجل محدد بين مالك لا يستطيع العمل، وعامل زراعي لا يستطيع التملّك، وأن تكون مفردات مثل هذا العقد واضحة جداً ولا تؤدي إلى نزع الملكية عن أي شبر.
أخذنا الحالة الزراعية، ويمكن تعميمها على باقي القطاعات، ولكن تحدثنا عن الزراعة لأنها الأكثر حضوراً في الساحل السوري، ولا بدّ من تصحيح مفرداتها ليصبح المزارع الحقيقي مدعوماً فعلاً لا قولاً.
عودة إلى الزيتون
نسبة كبيرة من أشجار الزيتون تتموضع على السفوح الجبلية وبشكل يصعب الوصول إليها، أضف إلى ذلك إلى أن كثيرين من مزارعي الزيتون يخدعون أنفسهم بالقول: شجرة الزيتون شجرة شبه بريّة، ولا تحتاج للكثير من العناية، وهناك من لا يرى حقله إلا من الموسم إلى الموسم الذي يليه، وجولة إلى أي قرية قريبة تؤكد هذا الكلام، والنتيجة أنّ أي خطأ قد يؤدي إلى أضرار كارثية كما حصل قبل أيام في (بنجارو) حين أتت النيران على أكثر من (70) دونم زيتون!
هذا الإهمال يكلّف المزارع والدولة الشيء الكثير، فهو يعرّض المزارع لخسارة موسمه بالكامل، وتحريك عمّال وآليات يكلّف الدولة وقوداً وماء وغير ذلك..
إنتاج اللاذقية وطرطوس هذا العام من الزيتون جيد بشكل عام، وقد قمنا بجولة إلى بعض القرى القريبة من اللاذقية، وهناك كثيرون بدؤوا جني المحصول كما أسلفنا، تمنّينا لهم موسماً وفيراً ومردوداً طيّباً . .
هل نلتفتّ حولنا؟
تمنينا (أن يلقي كلّ منّا نظرة فاحصة حوله) في بداية هذا التقرير، فهل فعلتم ذلك، وماذا وجدتم؟
يكثر الطلب على اليد العاملة من الآن وحتى نهاية هذا العام تقريباً لجني محصول الزيتون..
أين المشكلة؟ وذكرنا أيضاً أن سعر اليد العاملة في مجال (نبار الزيتون) هي ثلاثة آلاف ليرة بحدّها الأدنى وتتجاوز خمسة آلاف ليرة إضافة للمواصلات والطعام . .
إذاً، ما المانع أن يستغلّ كلّ منّا يومي عطلته الأسبوعية، وخاصة ممن يجيدون جني الزيتون، فعلى الأقلّ ستخرج بمؤونتك من الزيت وزيتون المائدة، ويخفّ (نقّك) بعض الشيء، لأن هاتين المادتين أساسيتان وسعرهما مرتفع..
قطاف الزيتون يحتاج إلى أعداد كبيرة، وتجتمع هذه الأعداد ولو على صعيد العائلة أو الجيران يومي العطلة، وبالنهاية (الكرم أكرم من صاحبه) والكلّ مستفيد على جناح عادات وتقاليد هذا الموسم الخيّر . .
لا تبقَ في بيتك، أو تقضِ وقتك على البحر بينما جارك يعاني التعب في جني محصوله، وتقول إنّ الناس تغيّروا (ولم يعد أحد يطعم جاره شيئاً)، عليك أن تبادر، ولن تندم بكلّ تأكيد . .
غـانـم مـحـمـد