عمارة اللاذقية القديمة.. ذاكرة المدينة تواجه طمس الهوية والإهمال

الوحدة – بثينة منى
تصوير – ميسم زيزفون

تتوارى خلف واجهات اللاذقية الحديثة، أزقة وشوارع تحكي قصة المدينة القديمة، حيث تقف المباني التاريخية كشهود صامتين على قرون من الحضارة والتاريخ، لكن هذا الإرث الثمين يئن تحت وطأة الإهمال، ويواجه تحديات متزايدة تهدد بضياع جزء غالٍ من هوية المدينة، فهل ندرك قيمة هذه المباني قبل فوات الأوان؟ وما هي الحلول الممكنة لإنقاذها؟
تتجول في أزقة اللاذقية القديمة، وستجد نفسك أمام مشهد يتأرجح بين الجمال التاريخي والإهمال المؤلم مبانٍ قديمة بعضها مازال يحتفظ بفخامته وبعضها الآخر يئن تحت وطأة الزمن، مهددة بالانهيار أو بالهدم ليحل محلها بناء حديث لا يحمل أي بصمة للتاريخ، كلما أرى بعض هذه البيوت القديمة أشعر بالحسرة، بعضها كان ملكاً لعائلات معروفة، والآن جدرانها تتساقط، ونوافذها محطمة، تقول السيدة أمينة سعد وهي من سكان المدينة القديمة منذ سنوات: نسمع عن مشاريع ترميم، لكننا لا نرى نتائجها على أرض الواقع إلا نادراً، الأغلب مهمل أو تم هدمه وبناء عمارة بدلاً منه.
تتعدد الأصوات المطالبة بوضع حلول عملية لإنقاذ التراث المعماري للمدينة القديمة، حيث يشير المهندس المعماري سامر ديب متخصص في التراث، إلى أن وضع المباني التاريخية في اللاذقية يتفاوت بشكل كبير، هناك مبانٍ تم ترميمها بشكل جيد، وهناك أخرى تحتاج إلى تدخل عاجل لتجنب انهيارها، ويرى أن الحل يكمن في وضع خطة وطنية شاملة للحفاظ على التراث في اللاذقية، تشمل عدة محاور، أولاً: إنشاء قاعدة بيانات دقيقة بالمباني التاريخية وتصنيفها حسب حالتها وأهميتها، ثانياً: تشكيل صندوق لدعم ترميم هذه المباني يمكن تمويله من الموازنات الحكومية، أو حتى من خلال جذب استثمارات خاصة أو تفعيل دور المغتربين الذين يحملون حنيناً للمدينة، ثالثاً: تبسيط الإجراءات القانونية لتسهيل حصول الملاك على تراخيص الترميم، ورابعاً: العمل على توعية المجتمع بأهمية هذا التراث.
ولا يقتصر الأمر على الإهمال العام، بل إن أصحاب العقارات التاريخية يواجهون بدورهم تحديات جمة، يقول فؤاد حسن وهو مالك لأحد البيوت القديمة في حي سكني عريق: نحن نريد الحفاظ على منزل عائلتنا، فهو يحمل ذكريات أجيال لكن تكاليف الترميم والصيانة باهظة جداً، وتتطلب مواد خاصة وتقنيات حديثة، وعندما نحاول الحصول على تراخيص للصيانة، نواجه تعقيدات تطول أحياناً لسنوات، ويضيف: لو لم نكن نمتلك هذا المنزل، لربما فكرنا في هدمه وبناء شيء جديد، فهذا أسهل وأقل تكلفة، لكننا نشعر بمسؤولية تجاه هذا الإرث، ونأمل أن تجد الجهات المعنية حلولاً تساعدنا على تحمل هذا العبء.
من جانبه، يقول معين سعد أحد المهتمين بالتراث المحلي: يمكن تحويل بعض هذه المباني القديمة إلى مراكز ثقافية أو متاحف صغيرة أو حتى مقاه تراثية، مما يعطيها حياة جديدة ويضمن صيانتها فضلاً عن جذب السياح، ويجب أن يكون هناك توازن بين الحفاظ على الطابع التاريخي للمدينة وبين تطويرها واحتياجات سكانها.
إن مستقبل اللاذقية القديمة يبقى مرهوناً بالإرادة والجهود المشتركة، فالحفاظ على هذا التراث ليس مجرد واجب تجاه الماضي، بل هو استثمار في الهوية والحاضر والمستقبل، فهل ننجح في إنقاذ هذه الجواهر المعمارية قبل أن تصبح مجرد ذكريات تتلاشى مع الزمن؟

تصفح المزيد..
آخر الأخبار